خيانة أم تجميل؟ القصيدة: لحظة انقلاب مفاجئ، كما يقول فائق عبدالجليل، والنقد بكل حالاته لا يعدو كونه كشف المتناقضات، وكلا الأمرين يتعلق بعمل إبداعي. أليس كذلك؟ إذن نحن أمام تأويل مستمر، وتشريح، وقراءة، وكشف، وبحث، والقصيدة فن قابل للتغيير متى ما تعاملنا معه كمتحول، خارج حسبة (الثابت). لكن ماذا لو تم تصدير القصيدة للقارئ، ومن ثم أحس الشاعر بأن ثمة ما يستحق التعديل بعد أن كثف ضوء (الناقد) بداخله. هل يقوم بتعديل (قصيدته) أم يحتفظ (بتعديلاته) لنفسه، متحججا بأن (القصيدة خلاص نشرت)؟ أجوبة يقول الشاعر أحمد يوسف الغامدي: تعديل القصيدة بعد نشرها يعتبر خيانة، خاصة أن تسجيل الحالة واقتناص اللحظة الأولى هما الأجمل، لكن ثمة بديلا قد يغني الشاعر عن كل هذا يتمثل في التأني في نشر القصيدة وعدم الاستعجال. في حين ذكر الشاعر عبدالله بن حديجان، أنه لا يمانع أبدا في تعديل قصيدته بعد نشرها قائلا: احترامي للنقد وذائقة المتلقي هو انعاكس لاحترامي لذائقتي ابتداء، وبالتالي في حال وجدت أن قصيدتي بها ما يستحق التعديل سأقوم به دون تردد وبكل سرور. مكاشفة ما الذي يجعل القصيدة قابلة للتعديل بعد النشر، هل هو الاستعجال، أم أن حالة القصيدة وطقوسها قد تستمر مع الشاعر فترات طويلة، تتكرر مع كل إلقاء أو عودة لها؟.. قد تكون الأسباب أكثر وأعمق، إلا أن الكثير من الشعراء يتعامل مع هذا الموقف بتقنين، ويجعل التعديل مشروطا بأمور كثيرة، فالشاعر ممدوح الراوي يقول: إن كان التعديل الذي سيطرأ على القصيدة جوهريا أرى أن ذلك يعتبر خيانة للقصيدة وحالة كتابتها، أما إن كانت المسألة لا تتعدى تغير كلمة أو جملة تتفق مع السياق السابق وتؤدي إلى المعنى نفسه فلا أرى في ذلك حرجا إطلاقا، وسأقوم بالتعديل، حتى وإن كنت قد نشرت القصيدة. في حين انطلق الشاعر عاطف الحربي من رؤية مختلفة، إذ يرفض أي تعديل على القصيدة بعد نشرها، ذاكرا أنه لا يحب أن يشوه الإحساس الأول، مكتفيا بتقديم اللبنة الأولى، حيث إنه يرى أن نشر القصيدة هو حكم بالإعدام عليها؛ لذا فهو ضد مسألة التعديل. نهاية الكثير من الشعراء يتعامل مع قصيدته من منطلق حسي، شفاف، مرهف، إذ تتجسد القصيدة لتصبح كيانا يتم التعامل معه وفق رؤية واضحة ومحددة، وبين خيانة (الكتابة الأولى) وتجميل القصيدة بتعديل ما قد يطرأ على (فكر) الشاعر نبقى أمام آراء، حتما أن جميعها ينصف في مصلحة (الشعر) وجمال القصائد، رغم اختلاف توجهات التعامل معها.