(القرابة بالرضاعة).. مشروع رائد وفكرة عبقرية، شرعية وعملية، بادرت إلى تنفيذها الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام في مكةالمكرمة.. وتهدف إلى توفير الضمان والأمان النفسي والاجتماعي المستقبلي لليتيم مجهول الهوية، من خلال إيجاد أسرة يرتبط بأفرادها بعلاقة شرعية، تتضمن حقوقا وواجبات.. تترتب هذه العلاقة الشرعية على خمس رضعات مشبعات، تقدمها الأم المرضع في هذه الأسرة لذلك الطفل اليتيم. لكن جمعية حقوق الإنسان في مكةالمكرمة أطلقت تحذيرا لجمعية رعاية الأيتام، من مغبَّة إيقاع أطفال الدار في مخالفات شرعية مستقبلا. وطالبت (حقوق الإنسان) الجهات الشرعية، والجهات الأخرى ذات العلاقة، بضرورة إيجاد برنامج متكامل، لمتابعة ما تقوم به (رعاية الأيتام) من استقطاب مرضعات للأطفال حديثي الولادة في الجمعية، مقابل مكافآت مالية تصل إلى 1500 ريال للمرضع الواحدة. كما طالبت بضرورة توثيق ذلك شرعا لدى المحكمة. توثيق الرضاع ولفت حسين الشريف المشرف العام على جمعية حقوق الإنسان في مكةالمكرمة إلى أن ذلك لا يتعارض مع الفكرة. وأبدى إعجابه بكون “الفكرة متوافقة مع ديننا الحنيف”. وأوضح أنه “يخشى في حال لم توثق المرضعات، الطفل الذي قمن بإرضاعه عدد الرضعات الشرعية، التي تكفل لهن حق الولاية الشرعية عليه، وحدث أن اختفت المرضع، وبقي الطفل الذي تم إرضاعه في الدار، أن يأتي يوم ويكبر، ويكمل نصف دينه، وقد يكون الطرف الشريك أخا أو أختا له من الرضاعة”. وشدَّد الشريف على أهمية تقنين الفكرة، وبلورتها بكل ما تعنيه من خدمة للمصلحة العامة. وأكد أهمية “تدارك ما قد يقع من محظور مستقبلا، وذلك بالتوثيق الشرعي، والإلمام الكامل بالمعلومات التي تخص الأسرة، التي وافقت على إرضاع اليتيم”. وقال: “لا بد أن تكون هناك طرق تكفل التواصل بين المرضع ورضيعها اليتيم”. وأشار إلى أن “الفكرة التي تنفرد بتنفيذها جمعية رعاية الأيتام، والخاصة باستحداث مرضعات، تدعو إلى تضافر كافة الجهود، للخروج بها إلى حيز الأمان، لبلوغ هدفها المنشود دون منغصات في المستقبل”. القرابة بالرضاع من جهته، قال الشيخ أحمد بن قاسم الغامدي المدير العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكةالمكرمة إنه “لا يجد أي غضاضة في المشروع من الناحية الشرعية إطلاقا”. وأضاف أن “فكرة (القرابة بالرضاع) التي تبنَّتها الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام، جاءت وفق ما أمرنا به ديننا الحنيف”. وأوضح قائلا: “لنا في رسول الله عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة، فقد أرضعته السيدة حليمة السعدية”. ودعا الغامدي إلى أن “تكون هناك متابعة مستمرة وموثوق بها، لضمان تكامل الرضعات، حسبما شرعه الإسلام”. وتمنى ألا “يكون هناك أي تراخ حيال إجراءات التوثيق؛ لما لهذه الخطوة من أهمية قصوى، تبدأ من المسؤولين عن الجمعية، وحتى يتم الانتهاء منها في المحكمة الشرعية، لضمان حق مشروع لا غبار عليه، وحفظا لحق القربى”. 3 آلاف ريال شهريا وعلى الصعيد نفسه، أكد المهندس عمر بن عبدالله قاضي نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام وجود تيسيرات مالية للمرضعات اللاتي يتجاوبن مع مشروع (القرابة بالرضاع) الذي تنفذه الجمعية. وأوضح أن “هناك رصدا ماليا للمرضعات اللاتي تنطبق عليهن اشتراطات الرضاع مقداره ألف ريال، تحت اسم بدل مواصلات، للتيسير على المرضعات في الحضور والعودة إلى منازلهن دون عناء”. مشيرا إلى أن هناك مبلغ 500 ريال يتم دفعه أيضا، تشمل تكاليف إقامة حفل لأسرة المرضع، يكون الغرض منه التعارف بين الطفل اليتيم وكافة أفراد عائلته وأصدقاء وأقرباء العائلة الجديدة”. وأشار القاضي إلى أن “الحكومة السعودية خصصت إعانات مالية، تصل إلى ثلاثة آلاف ريال شهريا لأي أسرة تكفل يتيما، وتستضيفه للعيش معها بالمنزل”. وأوضح أن “مشروع القرابة بالرضاع للأطفال مجهولي الهوية، حقق خطوات إيجابية، وجارٍ العمل على تعميم الفكرة حتى على نطاق دول الجوار”. وبيَّن أن “عددا من السيدات اللاتي أنهين رضعاتهن، رفضن استلام المبلغ الذي قدمناه لهم، وطلبن إيداعه في حساب الطفل، الذي أنشأته له وزارة الشؤون الاجتماعية”. وأكد أن “مثل ذلك يؤكد مدى المسارعة في الخيرات، وترابط أبناء المجتمع بعضهم مع بعض”. جذور أسرية من جهة أخرى، أوضحت نسرين حافظ مساعدة المدير العام لجمعية الأيتام لرعاية الأطفال الرضع أن “فكرة مشروع القرابة بالرضاع، الهدف منها إيجاد جذور أسرية لهؤلاء اليتامى”. وأضافت: “الفكرة ناجحة ولا تحتاج إلا إلى دعم إعلامي، للتعريف بمضامينها وأهدافها”. وأشارت إلى “أهمية بذل مزيد من الجهد من قبل القائمين عليها”. وألمحت إلى أن “مشروع الفكرة بدأ في 17 / 3 / 1427ه، وحتى اللحظة؛ حيث تسلمت دار إيواء الأطفال الرضع 45 طفلا وطفلة من مجهولي الهوية، وتم استكمال رضاعة 37 منهم، والبقية لا تزال المتقدمات لإرضاعهم طور الكشف عنهن، حسب الاشتراطات، التي تقتضي بسلامة الوضع الصحي والنفسي والسلوك القويم للمتقدمات وأسرهن، وخلوهن من الأمراض السارية والمعدية وخلافها”. وذكرت نسرين أن “الرضاعة تتم داخل مقر الأطفال الرضع، بحضور العاملات بالدار والمشرفات والاختصاصيات”. وقالت إن “الرضاعة تتم تحت المتابعة، للتأكد من إتمامها وفق الضوابط والنظم المقررة والمتعارف عليها”. وأشارت نسرين حافظ إلى فوز جمعية رعاية الأيتام العام الماضي بجائزة البنك الإسلامي التي سلمها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للقائمين على الجمعية التي مثلت السعودية من خلال أنشطتها النسوية أمام 56 دولة إسلامية. حليب بلا أطفال وقالت ربا المفلحي مديرة بيت الطفل بمكة إن “مشروع القرابة بالرضاع فكرة رائدة وناجحة بكل المقاييس”. ورأت أنها “تحتاج إلى كثير من الدراسات، ولضمان توثيق الحقوق شرعا وضمان عدم ظهور أي عوائق مستقبلا”. وأضافت أن “الفكرة لا تخدم ذوي الظروف الخاصة من الأطفال مجهولي الهوية فقط، وإنما تخدم المجتمع بأسره، وتحافظ على ترابطه وتكافله”. واستشهدت بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين، وأشار بالسبابة والوسطى”. وأوضحت أن “المشروع يخدم النساء غير الأمهات، حيث توجد حالات من النساء يوجد بصدرهن الحليب، لكن كونهن لسن بأمهات، فإن الحليب يبقى بداخلهن، ومن خلال مشروع الرضاع القائم بالجمعية، نمنح فرصة لهؤلاء النساء؛ لما فيه الخير لهن وللطفل مجهول الهوية أيضا”.