يلحظ كل متابع هذه الأيام إقبال مصارف وشركات مالية عالمية وخبراء اقتصاديين على التعاطي مع المصرفية الإسلامية بما فيها من حلول مالية وتمويل يختلف عما ألفته الأوساط المالية الدولية. ولن أخوض في تفاصيل لا أتقنها؛ فلهذا العلم أهله. لكني أردت أن أشرك القراء الكرام في استشراف دلالات هذه الالتفاتة وهذا الاهتمام الكبير إلى الاقتصاد الإسلامي، وما يعنيه ذلك بشكل أشمل. وإذا عدنا إلى الوراء عقدا من الزمن، وبعد أحداث سبتمبر 2001، فسنلحظ أن ما تلاها من حملات من قبل بعض الدول والمنظمات لإلصاق تهمة الإرهاب بكل ما هو إسلامي في تعميم أحمق ومشين، نرى أن هناك نتائج ارتدت على تلك الأوساط، فدفع الفضول ورغبة تتبع الحقائق لدى الفرد الغربي إلى تعرف الملايين على حقيقة الإسلام، بل وصل الآن عدد الذين يعتنقون الإسلام في أمريكا وحدها عشرين ألف نسمة. والله غالب على أمره. حدث آخر واعتبر حينها حربا ثقافية وفكرية على الإسلام، وهو حادثة الرسوم المسيئة للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام إذ اشتعلت نيران الاحتجاج في أرجاء العالم الإسلامي وحتى الغربي، ثم بعد أن هدأت تلك الاحتجاجات التي لا ينكر أحد أنها أثمرت بعض النتائج، إلاّ أن من أكبرها أن أكثر الكتب توزيعا في الدنمرك على أثر تلك الحملة هو تفسير القرآن باللغة الدنمركية، وازدياد أعداد الذين يسلمون من الدنمركيين منذ تلك الحادثة فصاروا بالآلاف. والآن وقد تأثر بالزلزال المالي الأخير العديد من دول العالم، وقطاعات مالية كبيرة إضافة إلى الأفراد، فإن هذه الأزمة جعلت العالم أيضا يلتفت إلى وجه من وجوه الحضارة الإسلامية، المتمثل في الاقتصاد الإسلامي، حتى إن مدير أحد البنوك الأمريكية صرح مؤخرا بأن أحد الحاخامات نصحه بالأخذ بأصول المصرفية الإسلامية. بل إن وزيرة الاقتصاد الفرنسية طلبت من مستشاريها تزويدها بمعلومات كافية وشاملة عن الاقتصاد الإسلامي؛ لأن باريس تنوي الدخول في هذه الصناعة التي لم تتأثر بالزلزال المالي الأخير؛ لأن أدواتها وطرقها ليست رأسمالية خالية من المعايير الأخلاقية؛ وهو ما جلب الدمار للصناعة المصرفية والاقتصادية بشكل عام؛ لأنها انطلقت وتحررت من العقل بشهادة أربابها أنفسهم. مما سبق، وبتأمُّل، ندرك أن هناك إشارات إلى تغيُّر عالمي هذه بداياته، تغير بتدبير إلهي، دون معارك أو غزو بمبررات واهية، أو تحت مسميات مكشوف سلفا أهدافها.. فقط لنتأمل ولنقرأ بين السطور.. ودمتم.