أي كلام.. أي حزام؟ هناك حزام الأمان (هذا الحزام راجعوا فيه إدارة المرور)، وهناك رواية “الحزام” لأحمد أبو دهمان، (دار جاليمار الفرنسية هي جهة الاختصاص في هذه الحالة، هناك حزام البنطال، وبالطبع الحزام الأسود، وأخيرا الحزام الناسف الذي نشعر بأن الدكتور الربيعة فجره في وجوهنا بتصريحاته الأخيرة، لكن أحدا – حتى في وزارة الصحة نفسها وهذا هو لب الغرابة - لا يعرف ما هو هذا ال (حزام الصحي). جوجل يعرف في جوجل تظهر 2660 نتيجة لعملية البحث عن “الحزام الصحي”، وهي نتائج تحيل إلى عديد من الصحف الزاخرة بتصريحات الوزير السابق والناطق الإعلامي للوزارة وأغلب المسؤولين في الصحة عن “تبني استراتيجية متكاملة هدفت إلى نشر مستشفيات تخصصية لوقف عناء المواطنين الذين يتكبدون المشاق لمراجعة مستشفيات العاصمة، وعليه تم اعتماد (19) مستشفى مرجعيا بالمناطق، سميت “الحزام الصحي”. أرشيفيا، يعود الحديث عن المشروع الضخم، هذا، إلى ما قبل عام 1424ه. لكن التركيز على الحديث عنه بدأ في عام 1429 إذ نشرت صحيفة الرياض تقريرا بمناسبة الاحتفال بيوم الصحة العالمي ورد فيه حديث عن مشاريع الصحة التي كان منها: “تطبيق برنامج الحزام الصحي الذي يهدف إلى تقديم خدمات تخصصية في كافة المناطق الرئيسية في السعودية”. (العدد 13806 الأربعاء 14 / 3 / 1427). قطعا.. لن يتسع المقام لسرد النتائج ال 2660 التي يشهد بها السيد (جوجل) -وهو من الرواة العدول الذين لا يمكن بحال التشكيك في صدقهم ونزاهتهم - لكننا سنومئ إيماءات محدودة لتصريحات الوزير السابق ومسؤولي الوزارة المقربين التي كانت تتحدث عن مشروع “الحزام الصحي”، ونتطرق إليه على أنه واحد من إنجازات الوزارة العظيمة. الأرشيف الصحي * جريدة الرياض (الثلاثاء 3 من ذي الحجة 1426ه - 3 يناير 2006م - العدد 13707) تقرير جاء فيه: “وأكد معاليه أن وزارة الصحة قطعت شوطا كبيرا في تنفيذ الاستراتيجية من خلال إنشاء العديد من مستشفيات الحزام الصحي وتشغيل بعضها”. * جريدة الشرق الأوسط (الثلاثاء 10 ذو الحجة 1428 ه 11 ديسمبر 2007 العدد 10605): “المانع وزير الصحة ل الشرق الأوسط: سنستكمل مشروع الحزام الصحي وسنوظف خريجي الكليات”. وجاء في التقرير: “وأشار المانع إلى أن الميزانية بما تضمنته من إنشاء 8 مستشفيات جديدة إضافة إلى استكمال وتجهيز 79 مستشفى في مختلف مناطق السعودية، تعطي مؤشرا لاستكمال مشروع الحزام الصحي، وهو مشروع بدأت الوزارة تنفيذه لتقديم خدمات صحية تخصصية، من خلال إقامة مستشفيات تخصصية في كل مناطق السعودية”. جريدة الوطن (السبت 26 ربيع الأول 1428ه الموافق 14 إبريل 2007م العدد 2388): تقرير حول اجتماع المجلس التنفيذي السابع لوزارة الصحة ورد فيه: “كما أوصى المجلس بالاهتمام ب “الحزام الصحي” الذي يجعل من مستشفيات المملكة مرجعية تقدم خدمات تخصصية على غرار مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض أي أنه لن تكون هناك حاجة ماسة إلى انتقال مواطن من منطقة إلى منطقة أخرى لتلقي العلاج”. * جريدة الجزيرة (الجمعة 18 جمادى الأولى 1429)، محرر الصحيفة أحمد القرني يسأل وزير الصحة السابق الدكتور حمد المانع السؤال التالي: - وماذا حققتم في استراتيجية لنشر المستشفيات التخصصية أو ما يعرف (بالحزام الصحي) ومراكز الرعاية الصحية الأولية؟ الوزير يجيب: “لقد بدئ تبني استراتيجية متكاملة هدفت إلى نشر مستشفيات تخصصية لوقف عناء المواطنين الذين يتكبدون المشاق لمراجعة مستشفيات العاصمة، عليه تم اعتماد (19) مستشفى مرجعيا بالمناطق، سميت “الحزام الصحي” بهدف تقديم خدمات صحية متخصصة على قدر عال من التميز، كما تم وضع خطة متكاملة للعناية بهذه المستشفيات من خلال التجهيز والتطوير بشقيه الفني والإداري، ومن بينها مستشفيات قائمة وأخرى مستحدثة ضمن المشروعات المعتمدة، وتتوزع هذه المستشفيات في الرياض، مكةالمكرمة، الباحة، جدة، المدينةالمنورة، القصيم، المنقطة الشرقية، عسير، جازان، تبوك، حائل، نجران، الجوف، الحدود الشمالية، الطائف، الأحساء، القريات، بيشة، وحفر الباطن”. الجميع يصرّح كل مسؤولي الوزارة كانوا يدعمون هذا التوجه. كانت تصريحاتهم لوسائل الإعلام مزحومة بالحزام الصحي العظيم. في الخميس 25 جمادى الأولى عام 1424 نشر موقع السعودية اليوم عن الدكتور عبدالله بن إبراهيم الشريف المدير العام للشؤون الصحية في منطقة الرياض آنذاك أن: “المديرية ستنفذ في المستقبل القريب مشروع الحزام الصحي في محافظات منطقة الرياض”. وأكد الشريف أن الشؤون الصحية: “اختارت خمسة مستشفيات لهذا الغرض”. الدكتور منصور بن ناصر الحواسي وكيل وزارة الصحة للشؤون التنفيذية، كان هو الآخر ممن أشاروا إلى هذا المشروع في أكثر من مادة صحافية، حيث نشرت (الوطن) في عددها ليوم الأحد 12 / 10 / 1429 تأكيده: “التشغيل الحالي للمستشفيات التخصصية ضمن مشروع الحزام الصحي بواقع مستشفى لكل منطقة”. هذا التأكيد الصارخ جرى بحضور عبدالرحمن السويلم عضو مجلس الشورى ووكلاء الوزارة والوكلاء المساعدين ومديري العموم ومديري المستشفيات وعدد من أعضاء الشورى وبعض منسوبي الوزارة المتقاعدين والموظفين الذين صفقوا لهذا المشروع العظيم ولم يقل أحد في تلك الأثناء أبدا إن الأخ (الحزام الصحي) لا وجود له على أرض الواقع. الجمل والسكاكين يقال والعهدة على الرواة: “إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه”، ومع الاعتذار للجمل الذي يمثل هنا “مشروع الحزام الصحي”، على اعتبار أن الجمل واقع ملموس وليس سرابا صحراويا بقيعة كالحزام الصحي يحسبه المواطنون ماء، فلما ذهب الوزير لم نجده شيئا ووجدنا (الناس) ينسلون منه ومما كانوا يهرفون حوله. الحقيقة والشك حتى قبل يومين، كان “الحزام الصحي” واحدا من المشروعات الواقعية التي تسعى الوزارة حثيثة إلى استكمالها. كان يطرح على أنه إنجاز رأى النور وسيرى المواطنون – كل المواطنين - ثمراته اليانعة رأي العين - لكن الحقيقة تجاوزت مرحلة الشك إلى اليقين المعاكس. ذهب الوزير، وذهب معه المشروع، أو فلنقل (بروباقندا الحزام الصحي) الذي أكد الوزير الحالي أنه “غير موجود على أرض الواقع”. المفاجأة.. والصدمة كانت مفاجأة، لكن الصدمة كانت في ما نشرته جريدة الحياة على لسان مسؤولين كانا مقربين من الوزير السابق حتى آخر أيامه في الوزارة. إذ نشرت (الحياة.. العدد 16818 الثلاثاء 25 ربيع الثاني 1430ه) نفي المتحدث باسم وزارة الصحة –المخضرم - الدكتور خالد مرغلاني الذي سأله وزير الصحة الجديد حين تسلم الوزارة عن مشروع الحزام الصحي، فقال للوزير: “لا يوجد أي شيء عن هذا المشروع. إنها مجرد تصريحات للوزير السابق المانع كان يؤكد فيها أن المشروع يستهدف مناطق السعودية كافة”. المسؤول المقرب الآخر كان مستشار الإدارة الصحية السابق الدكتور رضا خليل الذي أصدر بيانا رسميا أكد فيه أن المشروع: “لا يتعدى كونه مجموعة من الأفكار كثر الحديث حولها (...) من دون أي وجود رسمي له على أرض الواقع. وأضاف أن خطط التنمية المختلفة في السعودية المختصة بالقطاع الصحي: “لم تتضمن أية إشارة للمشروع لا من قريب ولا من بعيد”، مؤكدا أن موازنات وزارة الصحة: “لم تشهد على مدار الأعوام الماضية أي برامج أو مشاريع بمسمى الحزام الصحي ومن ضمنها موازنة العام المالي الجاري”. مفاجأة مركبة وعلى أي، فلا يمكن قراءة التصريح الذي أدلى به الدكتور خالد مرغلاني المتحدث باسم وزارة الصحة إلا على أنه - هو أيضا - مفاجأة مركبة. إذ سجلت الصحف – كل الصحف - على مدى السنوات الثلاث الماضية، تصريحات معاكسة للمتحدث الرسمي، كان يؤكد خلالها المرة تلو الأخرى – بكل الأشكال والألوان والأوضاع - على مشروع الحزام الصحي، وهو الذي أكد للوزير الجديد أنه: “لا يوجد أي شيء عن هذا المشروع. إنها مجرد تصريحات للوزير السابق المانع كان يؤكد فيها أن المشروع يستهدف مناطق السعودية كافة”!!. على سبيل المثال لا الحصر، قال الدكتور مرغلاني لصحيفة الشرق الأوسط (الجمعة 1 / 12 / 1427ه) عن هذا المشروع (الذي لا يوجد عنه شيء وليس إلا مجرد تصريحات لوزير الصحة السابق)، وفقا لتصريحه لل(حياة) المشار إليه: “القطاع الصحي حظي بنصيب وافر من ميزانية الدولة، باستكمال العديد من المشاريع الصحية ومنها مشروع الحزام الصحي الذي تنفذه الوزارة من خلال نشر المستشفيات التخصصية المرجعية في كافة أرجاء البلاد”!، لكن الحزام الصحي أصبح - فجأة فيما يبدو - مجرد تصريحات للاستهلاك الإعلامي. أما الدكتور رضا خليل، فلا يمكن إلا أن نتساءل ببراءة شديدة: لماذا فضل الصمت طوال فترة عمله مسؤولا في الوزارة، وقرر فجأة أن يدعم تصريحات الوزير الجديد بهذا البيان المتأخر جدا؟!