شهدت الأوساط الثقافية والسياسية على حد سواء حالة فريدة في عاصمة النور كما تسمى باريس، وذلك مؤخرا، إذ أطلق صحافيان فرنسيان حملة إعلامية لحث الرئيس ساركوزي على القراءة!! ودشنا هذه الحملة بإهداء الرئيس سبعة كتب قديمة ومعاصرة حتى تكون القراءة عادة لديه فتؤثر فيه لكي يغير من سياساته الحالية حسب ما يراه هذان الصحافيان. ومن تلك الكتب، كتاب “الجمهورية” لأفلاطون، وكتاب “الضحك” للفيلسوف الفرنسي هنري بيرجسون، ورواية (أميرة كليف) لمدام دو لافاييت وهي أول رواية فرنسية حديثة كاتبتها نبيلة، عاشت في القرن السابع عشر. ومن تلك الكتب، كتاب (الثقافة العامة الميسرة للجهلة)!!. ولم يكن ذلك كل شيء، بل دعت المجلة التي أطلق من خلالها الصحافيان تلك الحملة إلى المساهمة فيها عبر التبرع بالكتب التي فرغوا من قراءتها وإرسالها إلى القصر الرئاسي. حقا هي حملة فريدة وغير مسبوقة، من ناحية أنها تنطلق في معقل من معاقل الحضارة الأوروبية قديما وحديثا، وأنها تأتي من اثنين من عامة الشعب إلى رئيس الحكومة، لكنها القراءة ومكانة الكتاب لدى الأمم المتقدمة، وصدق من قال: “أمة تقرأ أمة ترقى”. وقد شهد العالم بأسره كيف أدت سياسات رئيس أقوى دولة اعترف بأنه لا يقرأ إلى كوارث ليس للدول التي عاث فيها (المحافظون الجدد) وحسب، بل إلى كوارث في أمريكا نفسها. واللافت أن دُور النشر في أمريكا شهدت إقبال الأمريكيين على القراءة واقتناء الكتب، بعد أن فقد الملايين منهم وظائفهم، الذين بقوا في أعمالهم تم تقليص ساعات العمل لبعضهم، فأصبح لدى أولئك الوقت للقراءة والتأمل، وإعادة النظر في طريقة حياتهم، بل إن مراكز التطوع شهدت ازدحاما لم يسبق له مثيل من قبل العاطلين، ليقدموا خدمات تطوعية للجمعيات الخيرية ومراكز الخدمة الاجتماعية والمستشفيات، وهذه قيمة تضاف إلى القيم الحضارية لأي أمة. ولعل ما أنعش حركة دُور النشر هناك أيضا، هو أن الرئيس باراك أوباما، ليس قارئا نهما فحسب، بل إنه ألف ثلاثة كتب حتى الآن، وأذكر أيضا أنهم على الرغم من ثورة الاتصالات والكتب الإلكترونية، إلا أن الكتاب الورقي لا يزال متربعا على عرشه ملكا للمعرفة، فالذين ألّفوا وعشقوا ملمس وعبق أوراقه لا يستطيعون الانعتاق من أسره.. ودمتم.