تعتبر مدينة الجبيل في المنطقة الشرقية، واحدة من ﺃكثر المدن المحلية في النمو السكاني، وسبﺐ ذلك عائد إلى كم المهاجرين إليها من ﺃجل فرص العمل؛ فالمدينة كما هو معلوم مركز صناعي محلي مهم، حيث تقع فيها مقار معظم الشركات الصناعية النفطية، وعدد العمال فيها نسبة إلى إجمالي السكان، يكاد يكون الأعلى بين مدن البلد وهي تستحق عن جدارة لقﺐ "المدينة العاملة". وظلت الجبيل على مدى عقود، منظمة في مسألة الإسكان، إذ إن الشركات العاملة في المدينة توجهت منذ الثمانينيات إلى بناء وحدات سكنية كاملة لموظفيها وعمالها؛ ما ﺃدى إلى انقسام الجبيل إلى مدينتين: الجبيل البلد، والجبيل الصناعية. وظل كل جزء يقاوم تمدد الآخر؛ فالجبيل المدنية تقف ﺃمام توسعات مشاريع الإسكان الصناعية، والجبيل الصناعية تقف ﺃمام التمدد الطبيعي للمخططات المدنية والشعبية. وهذا كله ﺃدى، فيما ﺃدى إليه، إلى تناقص المجال الحيوي للبناء والتعمير لدى الشركات من جهة، وﺃهل المدينة من جهة ﺃخرى. وعندها قفز الطلﺐ على المساكن وﺃصبح ﺃعلى من العرض، وكانت النتيجة ارتفاع الإيجارات بشكل لا سابق له، وبنسبة تصل إلى 80 في المئة في الزيادة عن ﺃسعارها قبل خمس سنوات على سبيل المثال. الموظفون الحكوميون في الجبيل هم ﺃكثر الفئات تضررا من ارتفاع ﺃسعار العقارات السكنية؛ فمرتباتهم الضئيلة لا تتناسﺐ مع الارتفاع الحاصل، ويقول محمد العتيبي (موظف حكومي) إن المزايا والبدلات والحوافز التي يحصل عليها من عمله، كلها تذهﺐ لسداد إيجارات المنزل، وﺃضاف: "نعيش في هم كبير وخوف مضاعف من جشع ملاك العقارات الباحثين عن ﺃقصى ما يمكن تحقيقه من الأرباح على حساب ﺃي شيء". فيما يقول مشبﺐ القحطاني (معلم) إنه كان يدفع 22 ﺃلفا كإيجار لشقته الصغيرة، لكنه الآن يدفع 28 ﺃلفا وهذه الزيادة ظهرت خلال ﺃشهر قليلة. وﺃوضح ﺃن صاحﺐ العقار لديه خطة لرفع ﺃجور المساكن إلى ما فوق ال35 ﺃلف ريال. وﺃشار إلى ﺃنهم (ﺃي مستأجري المساكن) بحاجة إلى الحماية النظامية، بحيث تحدد ﺃسعار العقارات وفق جدول يحقق الربح لصاحﺐ العقار دون ﺃن يسبﺐ ﺃضرارا للمستأجر. رغم ﺃن الجبيل كما ﺃسلفنا، وجهة ﺃساسية للمهاجرين من خارج نطاقها المحلي بسبﺐ وفرة فرص العمل، إلا ﺃنها ﺃصبحت مدينة طاردة إثر ارتفاع عقاراتها، وهذا ما البلدي نظر في القضية وطرح عدة حلول من بينها استغلال المساحات ا لكبير ة في ا لمد ينة لز يا د ة الامتداد العمراني وإلزام الشركات ببناء مساكن لموظفيها بدلا من الاستئجار، وﺃن يكون هناك تنسيق بين التخطيط المستقبلي الصناعي والسكني وعدم الفصل بينهما". يؤكده محمد العنزي، الذي ﺃشار إلى ﺃنه قرر السكن خارج الجبيل بعد زواجه؛ لأنه ببساطة لم يجد شقة يمكن ﺃن يستأجرها تتناسﺐ مع إمكانياته المالية، وقال: "كنت ﺃتوقع قبل الزواج ﺃن مسألة الشقة سهلة، وﺃنني سأجد مسكنا عائليا مناسبا لأسرتي، لكن توقعاتي ﺃصيبت بخيبة ﺃمل عندما لم ﺃجد شقة واحدة يمكن ﺃن يكون سعرها مناسبا لوضعي، وهنا قررت السكن خارج الجبيل رغم ﺃنني ﺃعمل فيها". يرمي صالح الزيدان (موظف) بالتهمة على الشركات الصناعية الكبرى، التي قال إنها اتجهت لاستئجار المساكن لموظفيها وعمالها بدلا من البناء لهم، وهذا برﺃيه هو السبﺐ الرئيس في ارتفاع ﺃسعار العقارات، إذ إن الشركة يمكنها ﺃن تدفع مبالغ طائلة من ﺃجل مبنى ﺃو عدة مبانٍ كاملة، وعلى هذا الأساس يفضلها ﺃصحاب المكاتﺐ العقارية ﺃكثر من المواطنين العاديين، وﺃشار الزيدان إلى ﺃن معظم الشركات تزايد على المشاريع السكانية الضخمة التابعة للقطاع الخاص؛ فتفوز بها في النهاية كسكن لموظفيها، فيما كانت تلك المشاريع في الأصل مخصصة للتأجير الفردي، لكن إغراء الشركات يلغي كل الخطط لأصحاب المشاريع السكنية. يقول بدر الرشيدي (موظف) إنه منذ بدﺃ العمل في الجبيل قبل سنوات، لم يعرف طعم الاستقرار؛ فهو ينتقل كل ستة ﺃشهر إلى مكان آخر، بسبﺐ رفع إيجار مسكنه الأول، وهكذا ظل يخرج من شقة إلى ﺃخرى حتى وجد نفسه ملزما بتخصيص ما لا يقل عن 35 ﺃلف ريال من ﺃجل الإيجار. ويرى الرشيدي ﺃن الحل كامن في السماح بالتمدد الرﺃسي للمدينة، بحيث تكون مشاريع الإسكان الخاصة مكونة من عدة طوابق؛ ما يعطي وفرة في الشقق السكنية، ستنعكس على ﺃسعارها فورا. ويؤكد فهد الصويلح هذا الرﺃي، وقال عن نفسه إنه ﺃبقى عائلته في مدينة الأحساء بعد ﺃن عجز عن توفير مسكن مناسﺐ لهم في مدينة الجبيل، حيث مقر عمله.