منذ ما يقارب شهرا، فُجعت المجتمعات العربية بخبر القبض على 38 شابا في القاهرة من ﺃصل، 150 بعد عملية تحرش جماعية شهدها شارع جامعة الدول العربية، ما دفع كل قارئ له إلى (مسك رﺃسه) من هول الحادثة، التي بررها بعض المختصين بارتفاع معدل الكبت الجنسي لدى هؤلاء الشباب، الذين لم يجدوا سبيلا إلى الزواج، مع تجاوز ﺃعمارهم سن، 30الوﺃرجعت فئة من الناس الأسباب إلى ضعف الوازع الديني و(قلة التربية)، وﺃلقوا اللائمة على ﺃهالي (المتحرشين)، ويبقى الأمر معلقا بعلامة استفهام كبيرة، لم تتبعها ﺃي إجابة شافية حتى الآن. كم هائل من الغضﺐ يملأ نفوس الناس، وخيبات ﺃمل تتكرر مع كل خبر معنون ب(القبض على شاب بتهمة التحرش)، ومختصون في علم النفس والاجتماع يطالبون بسرعة (العلاج)، بخلاصة تفيد بأن كل فرد متسبﺐ في حادثة مشينة كهذه هو (مريض نفسيا! ) عقدة معقدة تخنق (نفسية) المتحرش، تدفعه إلى استفزاز الآخر؛ رغبة في تواصل غير مقبول ﺃو قسري من خلال شجار ﺃو ملاسنة يملؤهما متعة غريبة تعزز كوامن ضعف، وتوهم بالقوة؛ سعيا إلى تحقيق الذات بطريقة غير مشروعة، وغير شرعية إذا تمت بين جنسين. لا نعلم ما إذا كان هذا (المرض النفسي) المسمى ب(التحرش) ينتقل من خلال عدوى ﺃم لا، ولكن اللافت في الأمر ﺃنه يأخذ ﺃشكالا عدة في كل دائرة تواصل، ففي العمل يستفز الموظف زميله بدوافع السيطرة عليه والتمكن من حضوره، ليبدو الأفضل ﺃو الأبرز في نظر من حوله، وفي ملعﺐ كرة القدم يتعمد (المدافع) التحرش ب(المهاجم) المكلﱠف بمراقبته، ليحد من (نفوذه)، وليفرض سيادته عليه، والحالة الأغرب تبرز في الأوساط الأدبية، خصوصا الشعراء والشاعرات، والأمر خارج عن نطاق منافسة ﺃو فرض سيطرة، بل وصل إلى استغلال (الأدب) في (قلة الأدب)، وذلك دون إدراك ﺃحيانا لما يكتبه الشاعر/الشاعرة في قصيدته، وما تحتويه من نوايا، حتى وإن سئل مرة (لماذا؟ )، لم يجد مخرجا سوى ﺃن الفكرة (فلاش) ﺃو (لقطة حلوة)، وغاب عن (وعيه) حقيقة ﺃن هذا (الفلاش) قد يصيﺐ (ﺃعين) المتذوقين ب(العمى)، فلا يروه سوى لا شيء! ربما لم تتضح الرؤية بعد لدى البعض فيما نقصده، ولكن عندما نستعرض شريطا كاملا من ﺃبيات متفرقة لشعراء عدة، نجد كلمات تتكرر و(مرﱠت) علينا تحمل نداءات غير مبررة لأكثر من ﺃنثى عابرة في سبيلها، والعكس كذلك، تتنوع بين: (تعالي، وقﱢفي، على وين دربك؟ ، شوفي، بأتبعك) وفي الجانﺐ الآخر (يجيلك يوم، يا ويلك مني، بجننك، بسهرك). عندما تكون هذه النداءات موجهة إلى شخص محدد ذي علاقة واضحة ﺃو غير واضحة بالشاعر ﺃو الشاعرة، يمكن حينها (تمريرها) وتبريرها، إلا ﺃن الدافع الأشهر يتلخص في (فرد عضلات) المتحرش، وكأننا به يقول: (ها ﺃنا ذا)، من خلال إيجاد قيمة وهمية، لا يدركها سواه، بينما يضعها كل عاقل بين قوسي الامتعاض، ويتبعها بنقطة (نفي) تلغي كل هذا الحضور غير (المؤدب)، المؤذي لكل المارة على الحادثة إذا صحﱠت وعلى القصيدة، ليتم الاكتفاء بتعليق موحﱠد عيﺐ عليكم! كان ولا يزال.. الشعراء والشاعرات يملكون ﺃدوات تميزهم عن الفرد العادي لإيصال المشاعر وما يودون قوله إلى الطرف المقابل، فتكون القصيدة سفيرا لهم، ويمكنهم من خلالها ﺃن يلفتوا انتباه (المقصود) دون ﺃن يعلم، ليقينهم التام بأن (ﺃدبهم) ارتقى بهم إلى مصاف النجوم، التي حتى يشاهدها الجميع يجﺐ ﺃن يرفعوا رؤوسهم، لا ﺃن يطأطئوها بسبﺐ (متحرشين) يفتقدون الثقة ومختلي الأدب! ظاهرة التحرش الشعري (موجودة) من خلال ما ذكرناه بأشكال متعددة وﺃماكن كثيرة، تنطلق من قاعدة واحدة ﺃلا وهي (الشعر)، ونتمنى ﺃلا يتحول الشعراء والشاعرات بين يوم وليلة إلى (شبح) ويفقدون (ملامحهم) الأساسية!