من لا ماضي له لا حاضر له، ولا مستقبل أيضا.. إذا نظرنا لتاريخنا العربي، فسنجد أنه مفعم بالإنجازات في شتى المجالات، ولكنها مع الأسف لم تجد من يحتفي بها ويمجدها ويقتدي بأصحابها.. لقد دفنا بأيدينا فخرنا وانتماءنا في صحراء التاريخ لكي ننسى تماما من كنا وما هي حضارتنا العربية.. عندما تحاول استرجاع منهج الكيمياء مثلا، فسوف تجد أنه مشبع بأسماء العلماء الفرنسيين والأوروبيين وغيرهم، مع تجاهل تام للأسماء الحقيقية التي أسست هذه العلوم، على سبيل المثال، لنقارن بين العالم الفرنسي لافوازييه والعالم العربي جابر بن حيان، كلاهما لقب ب«أبو الكيمياء» وكلاهما كتب التاريخ عنهما أنهما أسسا هذا العلم وأخرجاه من بوتقة السحر والشعوذة لعلم راسخ له قوانينه.. لكن جابر بن حيان عاصر الدولة العباسية.. أما لافوازييه فقد عاصر حكم ماري أنتوانيت والثورة الفرنسية، وبالتالي يتبين أن جابر بن حيان أقدم وأعرق وأسبق للكيمياء من لافوازييه، كذلك في الفيزياء البصرية تمت دراسة قوانين الضوء حسب قوانين العالم الهولندي سنل، ولم يتم ذكر أن سنل نفسه استعان بأبحاث العالم الحسن بن الهيثم. وهناك إهمال آخر في جوانب عديدة منها الثقافي والإعلامي والسينمائي، فكما هو معروف نرى الجهد المبذول في إخراج مسلسلات تعكس ثقافتنا البسيطة والمشاكل الاجتماعية التي تطرح دوما في الوسط العربي دون أي فائدة تعود على المشاهد، بالمقابل لا يوجد أي مسلسل تم إنتاجه لطرح حقائق عن تاريخنا ومجدنا الراحل، لا أفهم لماذا لدى كل الدول والحضارات أبطال مخلدون يتم الاقتداء بهم؟ أما بالنسبة لنا فكل ما نجيده هو الكلام عن مجدنا بالطريقة المعتادة «إحنا العرب اللي درسنا العلوم والغرب أخذها منا»، ثم يقلب القناة ليفتح مسلسلا خليجيا مملوءا بالدموع والمناحة! إن لم نعرف ماضينا ونفهمه وننتمي له كيف نطمح بالتطور والارتقاء؟ إن الماضي هو البذرة التي تزرع في داخلنا الإرادة والعزيمة لقيادة المستقبل الذي نطمح إليه ولكن مع هذا التهميش لتاريخنا فإن زرع هذه البذرة في أنفس أطفالنا وفتياتنا وشبابنا سيطول..