عرض مهرجان «أبو ظبي» السينمائي في دورته هذا العام ضمن تظاهرة «آفاق جديدة» التي تبرز الأسماء الشابة والواعدة، الفيلم المغربي «النهاية» في عرض عالمي أول، وهو الفيلم الحاصل على جائزة لجنة التحكيم كأفضل فيلم مغربي في الدورة الأخيرة من المهرجان الوطني للفيلم ب«طنجة»، حيث لفت الأنظار عبر لغته السينمائية الحداثية الجريئة ليس على صعيد الموضوع فحسب، بل أيضا عبر الشكل والمعالجة. فباستخدام اللونين الأبيض والأسود، وبطبيعة الصورة الضبابية الأشبه بالسريالية، يأخذنا الفيلم إلى مدينة «الدارالبيضاء» المغربية التي تبدو شبه خالية، حيث تدور الأحداث، ليقول كلمته بخطابه السلس والمتقلب والمتعدد الأبعاد، وباشتغال عميق على الشخصيات وعلى الثيمة المتميزة، حيث الحب والعنف، والطبيعة البشرية ونوازعها، والاهم الواقع الاجتماعي المسيطر في بلد كالمغرب، وذلك عبر حكايته عن شخصية الشرطي «ميخي» ذي الطبيعة الهادئة العادية وصاحب النظرة المثالية حول تطبيق العدالة ومكافحة الجريمة، الذي يقع في حب «غيثة» التي تشترك ضمن عصابة مع إخوتها الذكور لسرقة السيارات، والذين يعارضون هذا الحب. و«غيثة» هي تلك الشابة المليئة بالحماس التي تعشق المغامرة والمطاردة والظفر بما ليس لها، وتعيش حياة خاصة مزدوجة بين القانون والجريمة، وبين العاطفة ومغامرة الجريمة، ولم تتمكن من اتخاذ القرار السليم. وهنا تكمن عقدة الأحداث، إذ يحاول «ميخي» بكل ما أوتي من جهد لاستمالة وتطوير العلاقة لتصبح ناجحة بينهما، لكي يتوج هذا الحب بنهاية سعيدة، لكن الطبيعة الشخصية المتنافرة تحول بينهما. وخلال ذلك سنشهد التصاعد الدرامي بين محورين يتنازعان الصورة، حيث الأول هو علاقة الحب الإنسانية بكل ما تحمله من مشاعر سامية ودافئة، وبين المحور الثاني وهو العنف والعنف المضاد، عندما يشتعل الفيلم بالعديد من مشاهد المطاردات والاكشن، وينزلق الشرطي «ميخي» إلى أسلوب الشرطي «داوود» ورؤيته عن مدى الخروج عن القانون، ومحاولة تطبيقه بطريقة «داوود» الذي يمارس العنف المتطرف وبأبشع صوره في المدينة. الفيلم هو الفيلم الروائي الثاني للسيناريست والمخرج المغربي الشاب «هشام العسري» بعد نجاح فيلمه «فوق الدارالبيضاء، الملائكة لا تحلق2003» الذي نال جوائز عدة عبر العالم، وهو الذي شارك في كتابة عدد من سيناريوهات الأفلام المغربية المهمة، وكرس بصمته الإبداعية المميزة بصيغة سينمائية ما بعد حداثية في شكلها، وبالمضمون الجريء. وأول ما يلفت في فيلمه هذا هو طريقة صياغة السيناريو المدروسة من حيث تصاعد الأحداث الذي كان يمكن أن يكون مربكا للمشاهد لولا الحكنة في التقسيم، والبناء الدقيق للشخصيات، وفي الطرف الآخر الرؤية الإخراجية الاحترافية التي تجلت باستخدام اللونين الأبيض والأسود في الصورة للتعبير عن صراع المتضادات، كذلك بالحرفية العالية في مشاهد المطاردات، وبتوظيف مدروس للمونتاج والموسيقى التصويرية. ومن مهرجان «أبو ظبي» انطلق الفيلم للعالمية، حيث مثل المغرب في مهرجان «بوينس آيريس» أول مهرجان للسينما العربية في الأرجنتين، وسيشارك في مهرجان «أنوناي» بفرنسا، في نهاية هذا الشهر.