يعقد البرلمان البريطاني في مقره بمنطقة ويستمنستر في العاصمة لندن جلسة طارئة، اليوم، لمناقشة أعمال الشغب التي شهدتها لندن وبعض المدن الأخرى على مدى أربعة أيام متعاقبة، وذلك بعد أن قطع النواب عطلتهم الصيفية بناء على دعوة من رئيس الوزراء ديفيد كاميرون للانعقاد لمدة يوم واحد وإصدار بيان حول هذا الموضوع. وقال كاميرون أمام مكتبه في شارع عشرة داونينج ستريت «هذا عمل إجرامي صرف.. يجب ألا يساور الناس أدنى شك في أننا سنفعل كل ما هو لازم لإعادة النظام إلى شوارع بريطانيا». وأكد، أمس، أن أعمال الشغب «كانت تتطلب ردا، والرد جار»، معلنا إن «المواجهة» بدأت، أمس، للتصدي لأسوأ أعمال شغب تشهدها بريطانيا منذ جيل، مصرحا باستخدام مدافع المياه للمرة الأولى خارج إيرلندا الشمالية، وكذلك الرصاص البلاستيكي والهروات في مواجهة مثيري الشغب. والتهمت النيران محالا تجارية في لندن بعد أن سرقت محتوياتها، ثم انتقلت شرارة أعمال الشغب التي يقوم بها الشباب المهمش في الأحياء الفقيرة إلى مناطق أخرى في العاصمة وخارجها. ويتوقع المراقبون أن تأخذ أعمال الشغب بعدا آخر بعد سقوط أول قتيل. ووصف عمدة لندن بوريس جونسون الوضع بأنه مروع. وألقى المسؤولون باللائمة في أحداث الفوضى على عصابات إجرامية. وأظهرت مقاطع فيديو، من مناطق العنف، مجموعة من الشباب الملثمين وهم يقذفون عناصر الشرطة بالزجاجات الفارغة وقنابل المولوتوف وإضرام النار في المركبات والممتلكات العامة والخاصة. وكانت الاحتجاجات بدأت بصورة سلمية، ليل السبت، بتجمع نحو 30 من أصدقاء وأقارب مارك دوجان، احتجاجا على مقتله برصاص الشرطة أمام مركز أمني، الخميس الماضي، أثناء توقيف سيارة أجرة كان على متنها. ورغم الهدوء الحذر الذي ساد لندن، أمس، إلا أن العنف تواصل في بعض المدن الأخرى. وشهدت مانشستر الشمالية الغربية أسوأ أعمال عنف منذ 30 عاما، إذ أحرقت سيارات وتعرضت محال تجارية للنهب، ووقعت مواجهات مع الشرطة عندما خرج مئات الشباب الملثمين إلى الشوارع في وسط المدينة وعاثوا فيها خرابا ونهبا. وحتى ذلك الحين، كانت مانشستر ثالث مدن بريطانيا في منأى عن أعمال الشغب التي اندلعت في ضواحي لندن، وتوسعت رقعتها لاحقا وامتدت إلى مدن ليفربول وبيرمنجهام وبريستول. وأشارت تقارير إلى أعمال في مناطق ولفرهامبتون وويست بروميتش. وأعلنت الشرطة في بيان اعتقال أكثر من 1000 شخص في لندن، وتوجيه الاتهام إلى 167 منهم على خلفية العنف «الأرعن»، كما أسمته، الذي تفجر في منطقة توتنهام شمالي لندن، وسرعان ما انتشر إلى مناطق أخرى. وقتل ثلاثة رجال من أصول جنوب شرق آسيوية حينما دهستهم سيارة أثناء دفاعهم عن منطقتهم من اللصوص في برمنجهام ثاني كبرى المدن البريطانية. وقالت الشرطة إنها اعتقلت رجلا بشبهة القتل بعد حادث الدهس الذي رفع عدد قتلى الشغب حتى الآن إلى أربعة بعد العثور على جثة تحمل رصاصة في الرأس في سيارة بمنطقة كرويدون بجنوبلندن.. ومن المقرر أن تزاول ثلاث محاكم في لندن التعامل الفوري مع قضايا الشغب. ويرى الخبراء أن وراء أعمال الشغب مشكلات اجتماعية كبيرة في الأحياء الفقيرة، لكن المسؤولين يعتبرون أن المشاغبين تذرعوا بذلك لارتكاب أعمال عنف دون وجود أي سبب ظاهر. وسادت حالة من الاستياء في البلاد بعد ما تبين أن معظم قيادات البلاد من حكومة ومعارضة يقضون إجازاتهم خارج البلاد. وكانت وزيرة الداخلية تيريزا ماي، أول من قطع إجازته للعودة لمباشرة الإشراف على فرض الأمن من جديد، وتبعها نائب رئيس الوزراء رئيس حزب الأحرار الديمقراطيين نيك كليج، وجاء بعده كاميرون وزعيم حزب العمال المعارض إيد ميليباند وعمدة لندن الكبرى بوريس جونسون. ويرى متابعون أن هناك أسبابا أخرى وراء اندلاع أعمال الشغب والعنف بخلاف مقتل مارك دوجان. والأسباب الحقيقية التي دفعت هؤلاء الشباب تتمثل في سياسة التقشف التي اتبعتها حكومة كاميرون والتي أدت إلى زيادة الهوة بين الفقراء والأغنياء. وإذا لم تسارع الحكومة البريطانية إلى احتواء الأزمة وأسبابها أمنيا واقتصاديا، فإن الأمور قد تتطور. والغريب في الأمر أن نفس الفئة العمرية من الشباب شاركت في أعمال الشغب والعنف ونهب الممتلكات العامة في المدن المختلفة، وهي الفئة العمرية ما بين 14 و18 عاما. واللافت أيضا أن هؤلاء كانوا يرتدون أقنعة سرقوها من المحال التجارية، كما يستخدمون أدوات رياضية في أعمال النهب وكسر المحال التجارية التي سرقوها هي الأخرى. وفي هذه الأثناء، انضم النظام الليبي إلى كل من إيران وزيمبابوي للإعراب عن انتقادات حادة لتعامل الحكومة البريطانية مع مثيري الشغب، حيث قال معمر القذافي إن كاميرون «فقد شرعيته بالكامل».