إحباط شديد ينتاب من شاهد تقريرا تليفزيونيا يظهر ما يواجهه الطلبة المبتعثون بعد عودتهم بدرجات علمية عالية في تخصصات عديدة من جامعات عالمية لها صيتها في مجال التعليم العالي، الذين بالرغم من مستواهم العلمي فإنهم لم يسلموا أيضا من شبح البطالة! والجدير بالذكر في هذا النطاق أن تعريف البطالة لا يقتصر على عدم توفر الوظائف، بل أيضا على عدم حصول الخريج المؤهل على الوظيفة «المناسبة» لتخصصه ومؤهلاته، فهذا شكل آخر من أشكال البطالة! وهو تماما ما تقوم به الجهات المعنية ومكاتب التوظيف التي تكتفي بمجرد الوصل بين أي باحث عن وظيفة وأي وظيفة شاغرة، وهو عين الخطأ! حيث إن الأزمة لم ولن تحل مطلقا بهذه الطريقة، بل ينتهي المطاف بخريج المحاسبة أن يعمل في مجال التسويق، وخريج التسويق يعمل في مجال المبيعات، وخريج المبيعات يعمل في مجال شؤون الموظفين، وهكذا! هذه النظرة القصيرة المدى لا تبعث الاستقرار في حال التوظيف، بل تدفع هؤلاء الموظفين الجدد لتغيير وظائفهم بعد مدة قصيرة بحثا عما يناسبهم! إن نسبة البطالة في صفوف الخريجين لا تعود إلى أسباب متعلقة بخصائص التعليم العالي أو طبيعة سوق العمل فحسب، بل إلى عدم التجانس والتخطيط بين الجهتين حيث لا توائم مخرجات التعليم حاجات سوق العمل ما ينتج عنه قلة الاهتمام ببعض التخصصات وكثرة الاهتمام بالأخرى التي لا يجد خريجوها مكانا لهم في سوق العمل. إن حل هذه العقبة قد لا يكون بيد سوق العمل فقط، بل بتعاون من قبل المؤسسات التعليمية أيضا لكي توفر قواعد معلوماتية لمنتسبيها عن التخصصات التي يحتاج إليها سوق العمل في الأعوام المقبلة لتوجه الطلبة قبل اختيارهم لتخصصاتهم، وتزودهم بالتوجيه الأكاديمي الذي يساعدهم على تخطيط أفضل للمستقبل.. فنمو عدد الوظائف وحده من خلال إجبار التجار على توظيف الشباب ليس هو الحل الجذري لمشكلة البطالة، بل ينبغي أن يأتي في الحسبان أيضا وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.