كان الأمر عبارة عن حالات، ثم تراكمت وتتالت لتتطور وتصبح ظاهرة، ثم أصبحت عادة ووضعا طبيعيا لا يمكن فيه للعوائل أن تأمن أولئك الخادمات ولو عملن عقدين متواصلين من الزمن، فالهروب أصبح السمة والسلوك المفضل لهن، ولا تفرقة في ذلك بين الخادمة التي عملت عاما أو عشرين. هروب الخادمات وإن كان سلوكا عشوائيا ينتهي بهن للاصطدام بالنظام، إلا أنهن غير مباليات ويجدن دعما من جهتين، أولهما العائلات التي تشغلهن تحت ضغط الحاجة، والثانية السماسرة الذين يؤوونهن وينجزون اتفاقيات تشغيلهن مقابل مبلغ مالي، فأصبح هناك سوق سوداء تتحرك فيه أولئك الخادمات ويبدو من الصعوبة ضبطه، لنسمع يوميا قصصا وحكايات ومفارقات غريبة لهاربات من منزل إلى آخر، ومن مدينة إلى أخرى. هربت خادمة «م. محمد» منذ نحو أسبوعين، وقد استقدمت خادمتها الإندونيسية منذ نحو 14عاما، تروي تجربة انتهت نهاية مريرة «كنت من أنصار الخادمات ومن المطالبين بحقوقهن، وإنه يجب إعطاؤهن الحرية لاستخدام النت والهاتف، وأثناء سنوات عملها سافرت إلى بلادها مرتين ورجعت في إجازة رسمية، وقد قدمت إلينا وهي تدعي أنها لم تعمل من قبل، واكتشفت قبل عامين أنها عملت في ثلاث مدن بالمملكة لمدة نحو 18 عاما، وكانت كبيرة في السن، وكنا نعاملها كواحد من أفراد الأسرة، فقد كانت تمتلك المفاتيح لأبواب المنزل وكان لها هاتفها المحمول الخاص، وكانت تخرج إلى السوبرماركت إذا احتاجت إلى شيء، وعندما أرادت السفر لزيارة أهلها أخذت من إحدى القريبات رقم إحدى المكاتب، حسب زعم صاحبه، بأن يدير تأجير الخادمات، وأحضر لنا خادمة من نفس جنسيتها، وجلست معها نحو أسبوع قبل سفرها، وبعد عودتها تم إرجاع تلك الخادمة بالرغم من رفضها العودة إلى المكتب لما لقيته في منزلي من طيب المعاملة، ولكن بعد ذلك أصبحت الاتصالات على جوال خادمتي وهاتف منزلي كثيرة من أرقام غريبة، وأصبحت تتحدث مع رجال أغراب، فأخذت الجوال وكسرت الشريحة وبعد تعهد منها أرجعته إليها ولكن على أمل أن تعتدل، غير أنها أصبحت لا تعمل كما الأول وخلال تلك الفترة وحتى يوم هروبها المفاجئ لنا جميعا كانت تتعمد إغضاب كل من في المنزل، وقد هربت كل ملابسها قبل هروبها من منزلي في ساعة متأخرة من الليل أثناء تواجدي في مناسبة لدى أهلي، وما أصابني بالجنون هو أن من أخذها من أمام منزلنا، بحسب شهادة الجيران، شاب يرتدي الزي السعودي». ول «أم نواف» تجربة قاسية انتهت بذات السيناريو تقريبا، حيث كان لديها خادمتان من سيرلانكا سرقتا بعض مجوهراتها وهربتا من منزلها صباحا أثناء نومها. قصص ومآس ولكثير من العائلات قصص وحكايات لا تنتهي مع متاعب الخادمات ومبادلتهن الإحسان بالسوء والهروب منتصف الليالي. لدى أحمد العتيبي خادمة تعمل معهم منذ نحو الخامسة والعشرين من عمره، وقد ربت أبناءه مع زوجته ولم يثمر فيها الجميل، حيث هربت مع خادمتين للأسرة، وقد أخذن معهن ملابسهن وحتى المؤونة التي قام السائق بإحضارها لبيت تلك الأسرة ذلك المساء. استلمت «أم عادل» خادمة من أحد مكاتب الاستقدام خادمة، وتم نقل كفالتها بمبلغ كلفها 25 ألف ريال، وقد هربت الخادمة بعد تسعة أيام فقط، ولم يتم تعويضها من قبل المكتب. أما «فوزية» فقد استقبلت الأسبوع الماضي خادمة والدتها الكبيرة في العمر، بحسب كلامها، من الجنسية الأثيوبية ولم تكمل اليوم إلا وهربت من المنزل، وتجزم بأنها رتبت لذلك قبل قدومها من بلادها. الوصول لسماسرة التهريب ليس يسيرا، فقد اتصلت بأرقام لبعضهم من الجنسيتين الفلبينية والبنجالية، وقد اشترط أحدهم خمس مئة لإحضار الخادمة، على أن يتم التسليم في مستشفى أو داخل مول كبير، وحين حاولت إعطاء أولهم الفلوس وأخذ الخادمة شعر بأن هناك تصويرا فهرب، أما الآخر فهو صاحب ليموزين وقد هرب عندما توقف خوفا من أن يكون هناك كمين. وبالكاد حادثتني إحدى الخادمات الهاربات عند إحدى الأسر التي استعانت بها من أجل قدوم رمضان بمبلغ ألفين كمرتب وخمس مئة للسائق الذي أحضرها. الخادمة تدعى «نور» قالت إنها تعمل مع أصحابها تحت مظلة مكتب مرخص، وإن لديها إقامة، وعند مطالبتي لها بنقل كفالتها لدي تهربت، وفي الصباح هربت من منزل تلك الأسرة، وحتى اللحظة لا يعلمون عنها شيئا. مؤثرات على المجتمع ترى الاختصاصية الاجتماعية نورة العنزي أن من أسوأ المؤثرات على مجتمعنا تلك العمالة غير المرخصة والهاربة التي يتم التستر عليها من قبل عمالة تديرها بطرق مشبوهة أو متعاونين، وللأسف تنقل معها بين البيوت أمراضا معدية أو تقوم بالتخطيط مع من يديرها من بني جلدتها لسرقة بعض المنازل بعد رحيلها عنهم، فضلا عن إغوائها للخادمات النظاميات في منازل أقرباء مستضيفيها، وليس من الوطنية في شيء استئجار هاربات من النظام والتستر عليهن وتشغيلهن في مهام تمس الأسرة ورعاية الأطفال، وربما يكون بعضهن مجرما ويسلم لها أطفال بحجة حاجة الأسرة إلى خادمة. وتضيف «ما أصدرته وزارة العمل من تنظيم جديد لشركات الاستقدام ينظم الاستئجار من تلك المكاتب يفي بحاجة الأسر السعودية، وبأسعار ثابتة من قبل وزارة العمل هو خطوة بناءة، وسوف تخدم المجتمع وتحد من تواجد الهاربات في بيوتنا». اتصال بالسفارات المتحدث باسم وزارة الخارجية السفير أسامة النقلي يشير إلى أن هروب الخادمات من اختصاص وزارتي الداخلية والعمل «نعلم أن وزارة الداخلية تعمل بجد في هذا الموضوع، وإن كان هناك ما يجب إيضاحه من وزارة الخارجية فتتم مخاطبتنا رسميا من الوزارة، ونحن نعمل على التفاهم مع السفارة التي لها صلة بها». حملات تفتيش المتحدث باسم المديرية العامة للجوازات المقدم بدر المالك يرى أن المواطن هو المسؤول عن تشغيل العاملات الهاربات «من يتستر عليهن ويشغلهن هو من يساعدهن في الفرار والهروب، وهذا مخالف للقوانين والنظام، وفي حالات الهروب يتم التبليغ لدينا من الكفيل حتى لا تقع عليه مسؤولية لو حدث مكروه لتلك العاملة الهاربة، ويتم إخلاء مسؤوليته منها بشكل رسمي، ثم إن لدينا حملات للتفتيش مستمرة، وفي حال تم التبليغ أو الاشتباه بأن هناك من يدير هاربين نأخذ الإذن من المسؤولين وبعد التحري يتم القبض عليهم، وفي حال التبليغ للمواطنين لدى معرفتهم بسماسرة الخادمات فبإمكانهم الاتصال على الرقم 922». الوضع النظامي للاستقدام ويؤكد المتحدث باسم وزارة العمل حطاب العنزي أن تلك العمالة الهاربة من بيوت كفلائها تعد غير نظامية وغير قانونية في البلد، ويجب عدم استئجارها، ومن يقوم بتشغيلها مخالف للقانون مثله مثل هؤلاء المتسترين عليهم. ويشير العنزي إلى نص النظام الذي يحدد وضع تلك العمالة سواء عند استقدامها أو خلال تشغيلها «بدأت وزارة العمل بلائحة شركات الاستقدام وتنظيم استقدام العمالة للغير وتقديم الخدمات العمالية، وتنص اللائحة على أن يكون من بين المؤسسين لشركة الاستقدام خمسة على الأقل من مكاتب الاستقدام القائمة حاليا وألا يقل رأس مال الشركة طالبة الترخيص المدفوع عن 50 مليون ريال في حال الترخيص لها بممارسة نشاطي التوسط في استقدام العمالة وتقديم الخدمات العمالية المنزلية، و100 مليون ريال في حال الترخيص لها بممارسة نشاطي التوسط في استقدام العمالة وتقديم الخدمات العمالية المنزلية والعمالة للقطاع العام والقطاع الخاص معا. على أن تكون الأولوية بتأسيس شركات الاستقدام لأصحاب مكاتب الاستقدام المرخص لها حاليا ومن ثم عليهم التقدم بطلب تأسيس شركات استقدام للوزارة خلال مدة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ إنفاذ هذه اللائحة التي تنص على أنه إذا أسس أصحاب مكاتب الاستقدام خلال مدة الستة الأشهر خمس شركات استقدام على الأقل يكون تأسيس شركات الاستقدام بعد هذه المدة قاصرا على أصحاب مكاتب الاستقدام على أن يكون ذلك وفقا للشروط والضوابط الواردة في اللائحة، وإذا لم يكتمل تأسيس خمس شركات على الأقل خلال المدة المحددة فسيكون طلب تأسيس شركات الاستقدام متاحا لجميع الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين من مكاتب الاستقدام أو غيرهم على أن يكون ذلك وفقا للشروط والضوابط الواردة في اللائحة، على أن تباشر شركة الاستقدام نشاطها خلال مدة أقصاها سنة من تاريخ حصولها على الترخيص». ويضيف «يجوز لوزارة العمل إذا توافرت أسباب مقنعة تمديد هذه المدة ستة أشهر أخرى بقرار من الوزير، وفي هذه الحالة تحصل كل شركة تم تأسيسها وفقا لبنود اللائحة على ألف تأشيرة مقابل كل مكتب استقدام يشارك في تأسيس الشركة إذا رغبت في ذلك بشرط أن يتم إلغاء ترخيص المكتب، فيما يحق لشركة الاستقدام نقل العمالة المسجلة باسم مكتب الاستقدام الذي يشترك في تأسيس الشركة دون تحمل رسوم نقل الخدمة شريطة إلغاء ترخيص المكتب وتكون مدة الترخيص لشركة الاستقدام عشرة أعوام قابلة للتجديد» .