قبل أيام طالعت شروط طلب القرض العقاري الجديدة التي وضعها صندوق التنمية العقارية، شروط إعادة ذاكرتي إلى الوراء حين كنا أطفالا، وقتها كنا نحضر ولائم الطعام، فنطرد عن الأكل ويقال لنا «الصغار يأكلون مع الحريم» ثم تطور الوضع قليلا، فصرنا نأكل قبل الحريم، وكل شيء تغير إلا موقع الحريم، ولهذا لا أستغرب الشروط التي وضعها صندوق التنمية العقارية، فمهما كانت الشروط مجحفة في حق النساء، فلا جديد تغير في موقع الحريم، ومهما حاول العاملون في الصندوق أو في الجهات الأخرى أو حتى من يساندها من المواطنين الدفاع عنها فلن يمسح ذلك إجحافها. المشكلة الحقيقية أن أي تحرك لتلافي هذه الشروط لن يأتي إلا بعد تراكم ملايين الطلبات، وهنا تكون المرأة آخر من يقف في طابور الانتظار كالعادة، ولن يجدي نفعا وقتها تعديل الشروط. الحوار مع بعض الأشخاص يفضح ترتيب المرأة ضمن الأولويات، فأول حجة دفاع أن المرأة مصونة، وهناك من يتولى أمرها، فيما لا علاقة للإقراض العقاري بصيانة مكانة المرأة، فهذا قرض يحق لأي مواطن ومواطنة، وهو واجب السداد، أي أنه ليس هبة أو مساعدة اجتماعية، ولهذا فقبول أن يكون الرجل أعزب ويحق له بعد أن يتم 24 عاما أن يتقدم بطلب قرض مستهجن حين لا تساوى المرأة به، التي أضيف لها 16 عاما من الانتظار أي حين تكون في الأربعين ليحق لها ما يحق لنظيرها الرجل. أما غير المتزوجة فلا حق لها، ما يجعل هذه الشروط مدعاة للتحايل، فالمطلقة يحق لها أن تتقدم دون تحديد للعمر، وقد يكون هذا مخرجا لعائق السن الذي وضعه الصندوق، فالمطلوب فقط شهادة طلاق، أي زواج صوري يتبرع به أحد الأقرباء ليخفف معاناة قريبته، وهنا نكون ابتكرنا شيئا يشبه «التيس المستعار» لكنه «تيس عقاري» ليحلل للمرأة ما حرمها الصندوق منه.