تحدى العمدة عبدالصمد محمد ظروف العمر وأعمال العمودية واستجاب للطموح الدراسي ليستعيد أيام الصبا الأولى بالذهاب إلى الدراسة كطالب وهو في الخامسة والستين من عمره دارسا اللغة الإنجليزية، وقد شاب الرأس ولكن لم يشب العقل والطموح. في أحد المعاهد الكبرى في جدة سجل العمدة عبدالصمد ضمن طلابه لاستكمال تعلم اللغة الإنجليزية، ويرى تجربته الدراسية بأنها جميلة جدا «الوصول إلى العقد الخمسين أو الستين لا يعني أن نجلس في المنزل وننتظر ما يحدث لنا مستقبلا، بل الجميل أن تكتسب مهارات وتخوض دورات وتثبت للآخرين ممن ينظرون إلى كبار السن أنهم عجزة وغير قادرين على العلم والحركة أن لديهم عزيمة وقوة على أن يتعلموا ويعلموا ويمارسوا ما يستهويهم، فمثلما هناك العديد من كبار السن يمارسون مهارات جديدة للاستمتاع بأوقاتهم، وهناك من يستمتع بالرياضة خاصة كرة القدم، وهناك من يحب الرسم، ومن يميل إلى الشعر، ومن يجد متعته في الصيد وكل وما يجول في ذهنه وخاطره، وأنا وجدت متعتي في تعلم اللغة الإنجليزية لا سيما أنه أصبح من السهولة أن تتعلمها مع التقنيات الحديثة». صعوبتان في الطريق يبدو أن كثيرين من مجايلي العمدة عبدالصمد تستهويهم دراسة اللغة الإنجليزية أو الاستعانة بمعلمي لغة إنجليزية، في محاولة منهم لتطوير مهاراتهم اللغوية واستغلال وقت الفراغ في عمل مفيد وممتع. يحيى الحارثي، 55 عاما، طالب في أحد المعاهد يبحث عن مهارات إجادة الإنجليزية، ويرى أن وصول الرجل أو المرأة مرحلة عمرية معينة متقدمة في المجتمع السعودي والعربي معناه توقف الحياة وعدم اكتساب مهارة جديدة، ولكن هذا ما يجب أن نكسره، ويفترض أنه كلما تقدم بنا العمر بحثنا عن شيء يدفع أبناءنا وأحفادنا إلى أن يقتدوا بنا في طلب العلم. «في حقيقة الأمر حينما سجلت في المعهد اصطحبت معي ابني لكوني حريصا على أن يتعلم اللغة الإنجليزية لا سيما أنه في مقتبل العمر في حين أنني أتعلمها للمتعة والهواية». وكعادة الطلاب الخمسينيين والستينيين، يجدون مشكلة في التوفيق بين مشاغلهم والتزاماتهم اليومية، ورغبتهم في التزام مقاعد الدرس، فللحارثي متاعبه أيضا «المشكلة التي واجهتني كانت في العمل وضيق الوقت، وهما أمران يشكلان صعوبة سواء من حيث عامل الوقت أو من حيث الضغوط والإرهاق، لا سيما مع الازدحام المروري، فأنا على سبيل المثال منزلي في حي الرحاب وأقطع مسافة إلى حي الروضة، ولذلك نأمل أن تفتح وزارة التربية والتعليم معاهد خاصة لكبار السن سواء لاستكمال دراستهم للغة العربية أو اللغة الإنجليزية». ويضيف: «شخصيا، على يقين أن هناك كثيرا من كبار السن يرغبون في التعلم واستكمال دراستهم التي توقفت لأسباب عملية أو لظروف، ولكن متى وجدوا التشجيع والتحفيز حتما لن نكون أقل ممن يتعلمون اللغة في بلدان أخرى». المستوى السابع يستكمل إسماعيل أبوطالب تعليمه في معهد آخر ويشعر بالرضا من تجربة فاتته ماضيا ويلحق بها حاليا تجربته « طلبا لتعلم هذه اللغة لا سيما أنها لغة العصر واللغة الأم أصر على أن أستكمل تعليمي للغة، لا سيما أن عملي واحتكاكي بالجاليات المقبلة لبلد الحرمين يحتم علي أن أصل إلى مستوى عال في اللغة الإنجليزية». ويشير أبوطالب إلى أن ما يبحث عنه كبار السن وغيرهم هو الأجواء المناسبة والبيئة التي توفر لهم تعلم اللغة الإنجليزية في مناخ تعليمي مميز «جربت معاهد كثيرة، ولكن لم أستطع إكمال دراستي بسبب التعقيدات التي في بعض المعاهد، فوجدت المعهد يهيئ أجواء تساعد الجميع سواء صغيري السن أو الكبار على تعلم اللغة الإنجليزية، ومتى كسر الحاجز النفسي حتما لن يجد كبار السن مشكلة في إتقان وتعلم هذه اللغة». وقطع أبوطالب شوطا مقدرا في امتلاك المهارات الأساسية للغة الإنجليزية، ولذلك أسبابه «وصلت المستوى السابع، ولدي رغبة في مواصلة التعلم إلى مستوى متقدم لا سيما بعد ما وجدته من تعامل مميز وتشجيع من قبل مسؤولي المعهد». حتى الصين لعل أكثر ما يثير الدهشة في بعض المعاهد الإنجليزية بجدة تسمر خمسيني يدعى أبوبكر أمام شاشة الكمبيوتر ينصت بشدة لمحادثة إنجليزية، وحالما فرغ وانتبه إلينا تحدث باقتضاب عن تجربته الدراسية «علاقتي باللغة الإنجليزية أزلية، ولكنها انقطعت بدخولي العسكرية قبل 40 عاما وما إن تقاعدت قبيل عامين بحثت عن مكان أقضي فيه بقية يومي، ولم أجد سوى أن أواصل تعليمي في اللغة الإنجليزية لا سيما أن لدي خلفية لا بأس بها» مشيرا إلى أن هذا ليس السبب الرئيس؛ بل إنه يمتلك شركة استثمارية بعض عملائها من الجنسيات الآسيوية، وهذا ما دفعه إلى أن يستكمل مشواره الإنجليزي «من يعش طويلا يتعلم كثيرا، وأنا أقتدي بالرسول الكريم، ويعلق مبتسما: «سأستمر في طلب العلم حتى وإن كان في الصين». حضور دون دعوة مسؤولو المعاهد الإنجليزية امتدحوا عزيمة كبار السن في تعلم اللغة الإنجليزية، وربما اعتادوا مع الاستيعاب المتزايد لهم على تدريس طلاب في الخمسينيات والستينيات من أعمارهم، وقد يشكل ذلك فارقا مع نظرائهم الشباب سواء في طريقة التعامل أو منهج التدريس. في معهد «نسما» يقول مدير الخدمات الاجتماعية سعيد آل مشرف: «في بادئ الأمر اندهشت من إقبال كبار السن على تعلم اللغة الإنجليزية، كون ذلك أمرا جديدا على المجتمع السعودي، ولكن سرعان ما شعرت بالسعادة بأن هؤلاء الكبار كسروا الأنظمة القديمة التي رسمت في مخيلاتنا أن كبار السن حالما يتقدمون في العمر يجلسون في المنازل». ويضيف: «حقيقة في معهد «نسما» وحرصا على تعليم كبار السن هذه اللغة، لا سيما من لم يستطيعوا استكمالها قدمنا دعوات لشخصيات معروفة، كما أن هناك كبارا في السن حضروا إلى المعهد دون دعوة». دراسة مجانية يبرر آل مشرف الإقبال الكبير على تعلم اللغة الإنجليزية: «أعتقد أن بعض كبار السن لا يختلفون في التفكير عن الشباب الذين يرغبون في تعلم هذه اللغة، بغية الهواية أو التحدث مع آخرين، لا سيما في الرحلات» ويشير إلى أن ما يميز معاهد اللغة الإنجليزية وما جعل كبار السن يقبلون عليها أنه ليست هناك رسوم أو مقابل لتعلم هذه اللغة، حيث إن صالح التركي فتح أحد هذه المعاهد لكبار السن والشباب لتعلم هذه اللغة دون مقابل مادي، ويضيف: «هناك من يرغب في تعلم اللغة، ولكن الحاجز المادي يقف في طريقه، وهذا ما وجدناه وتلمسناه من ردة فعل كبار السن الذين يطلبون تعلم اللغة الإنجليزية، حيث أكد أغلبهم أن هناك أسبابا تجعلهم يتوقفون عن طلب تعلمهم اللغة، وأحد أبرز الأسباب أن هناك تكلفة ومقابل على تعلم هذه اللغة». دون دوام في معهد «وول ستريت» فتح الباب على مصراعيه لكبار السن لدراسة اللغة الإنجليزية، ويؤكد عبدالعزيز بوملحم، مسؤول بالمعهد، أنهم في المعهد لم يفرقوا بين المقبلين على الدراسة، حيث فتحوا المجال للجميع لتعلم هذه اللغة العصرية «اللغة الإنجليزية أضحت لغة مهمة وضرورية في حياة الصغير والكبير، وتعلمها أصبح واجبا حياتيا، لأن كل من حولك باتت لغتهم الموحدة هي اللغة الإنجليزية». ويستطرد: «بسبب ارتباطات الكبار العملية وفرنا لهم ما يساعدهم على تعلم اللغة، ومن ذلك غير ملزمين بدوام محدد، فكل المطلوب من كبير السن أو حتى الطالب لدينا هو الحضور في أي وقت، ولكن عليه قبل ذلك أن يحجز موعدا للمحاضرة عن طريق الاتصال». ويضيف: «هذا يبدو لي ما يجعل الكبار، لا سيما الذين لديهم ارتباطات عملية، يحرصون على تعلم اللغة» مشيرا إلى أن كبار السن ليسوا كما يفهم الآخرون عاجزين عن الفهم، على العكس، وجدناهم أكثر إدراكا للغة الإنجليزية، ولديهم حرص ورغبة قوية في تعلمها، وأستنتج ذلك من خلال حضورهم اليومي» .