سيرة المفكر إدوارد سعيد يرويها في أغلب الفترات الطفل داخله الذي كان يقتعد كرسيا «خارج المكان» تحديدا ويسير بطريقة آلية خلف توجيهات القائد «والده»، أستطاع أن يوصل للقارئ معنى أن يكون الإنسان فلسطينيا مشردا بين عواصم ومدن العالم حتى لو كان يعيش حياة «ترف» أو خارج حدود الحاجة، ماذا تعني فلسطين لمواطنيها الخارجين منها الذين يعيشون حولها تشكل في حياتهم القدس رمزا ومركز الدائرة التي يدورون حولها بحجم قطر ابتعادهم غير قادرين على الاقتراب منها. القدس اللغز والسر الذي يعيش مطمئنا داخل قلب «إدواد» كما يحلو لأمه مناداته، وكلمات والده تمر عبر رأسه: خسرنا فلسطين.. خسرنا كل شيء، كيف لفلسطين النائمة داخل قلبه أن تتفجر وهو يصارع مرض السرطان الذي كان سببا ليجلس إدوارد سعيد أمام دفتره ويخط سنواته بالقرب من فلسطين وداخلها وبعيدا عنها ليسيطر كل الأحداث السياسية التي عاصرها في طفولته مراهقته شبابه وهو الفلسطيني المولد والمصري الهوى والأمريكي المنشأ والجنسية، الذي لم يشعر يوما تجاه أي من العواصم والمدن التي سكنها بانتماء، كان مغتربا يحمل غربته داخل أمتعته كالقميص الذي ينام داخل إحدى حقائبه، ظل يدور ومعه عقدة التنقل في كل مرة يمتطي السفر يشعر بأنه لن يعود أبدا.. تتصارع الهوايات داخله يعيش حياة مفروضة عليه بينما واقعه يملي عليه كونه العربي الفلسطيني. Mashael Alamri لغة الكتاب قوية جدا مثل كتابه «الاستشراق»، وهي دقيقة وطافحة بالمشاعر وغنية مع اختلاف بين الكتابين طبعا في مستوى التعقيد والمعالجة لاختلاف الموضوع. لو أن شخصا آخر هو من كتب عن حياة إدوارد لكتب عن حياة مترفة وسعيدة وسهلة... بيد أن الكاتب هو إدوارد نفسه وكان يرينا العالم بعينيه هو، بعيني شخص مفرط الحساسية، فبدا عالمه متعبا وثقيلا. Salma Helali إلى أي حد تأخرت في قراءة هذا الكتاب الجميل؟ هذا هو الانطباع الأول الذي خرجت به بعد 360 صفحة، وهو انطباع امتزج بالإعجاب والتأثر ومشاعر الامتنان للكاتب على فرصة «القراءة اللذيذة». وجدت في الكتاب أكثر من عنصر «جاذب» ويمكنني الإشارة بشكل سريع إلى: - الإمكانات السردية ل سعيد التي بقدر ما أذهلتني تأسفت أنها لن تتكرر أبدا في منتج آخر. - الإشارات الذكية واللماحة للأوضاع السياسية وبشكل «مدسوس» بين السطور، وعلى الرغم من الاهتمامات السياسية الواضحة للكاتب إلا أنه اكتفى بالقليل هنا، أي بالقدر المناسب تماما. - الإسهاب في الحديث عن علاقة إدوارد الصغير بوالديه – علاقة عميقة لا تخلو من منغصات، ستجد الرقة والقسوة، التشجيع والحط من المعنويات، والأكثر دهشة هو أنك ستقرأ عن طفل هش وضعيف لا يمكن التنبؤ بالتغير الذي سيطرأ على حياته لاحقا. لكن الفصول ليست على مستوى واحد، وكأن التباين يعكس – بصورة أو بأخرى – الحالات المختلفة التي كان عليها سعيد خلال كتابته لسيرته، متنقلا بين جلسات العلاج ومتجرعا أعراض سرطان الدم الذي أودى بحياته سنة 2003. Fatema Alammar