قبل أيام شارك النادي السعودي في جامعتي UNCG في المهرجان العالمي «International Festival»، وهي الفعالية الأولى التي نقوم بها منذ انتخابي رئيسة للنادي السعودي. ولا أخفي عنكم مدى تخوفي في البداية من الوضع، لكن ما حدث اليوم، علمني الكثير. العيش بعيدا عن الوطن يكشف لك الكثير عن معادن الناس، فهو يعريهم من كل ما هو حولهم، يجبرهم على الظهور بصورة حقيقية لا زيف فيها. هنا، تظهر مبادئ الإنسان الحقيقية حيث يجرد من كل الضغوط التي يمارسها عليه المجتمع، سواء كانت اجتماعية أو دينية أو غير ذلك. كانت سعادتي لا توصف عندما وجدت الشباب والبنات كلهم ملتفين حولي، الكل يسأل ماذا نحتاج وما الذي ينقص، كلهم يضحكون ويتمازحون، مجموعة تبقى في الركن السعودي، وصحيح أن الواقفين عند الركن كانوا كثيرين، وأنا كنت أقول «انتشروا، انتشروا»، لكن «معليش.. السعادة الي عشناها كلنا كانت لا توصف». فهناك مجموعة كانت تحاول التجول في المهرجان بالزي الرسمي نوعا من «الدعاية».. الكل كان يتهافت ليشرح للزوار عن وطنه.. تواجدوا في مقر المهرجان قبلي أنا.. الكل كان يخدم ويساعد.. والكل كان يقول مازحا «عمتي نجلاء».. كانوا سعيدين بأنهم يمثلون الوطن.. فقط الوطن.. هذا هو الشباب الذي قلتم لنا عنه إنه «مدلع» وعديم الفائدة ولا يريد أن يعمل و«ماخذ الابتعاث تمشية». تعلمت أنهم ساعدي الذي أستطيع أن أتكئ عليه دون خوف «لا تشيلي هم».. كل ما فكرت في أمر قال أحدهم «خلاص خليها علي، لا تشيلي هم» وركض لينفذه.. علمت أنهم أهل لكل مسؤولية، كل ما قررنا تنفيذه نفذوه على أكمل وجه. كلا، لن أحمل أي هم يا أبناء وطني بعد اليوم. الشاب السعودي، تعامل معي أنا الأنثى بكل احترام، تعامل معي كأخت وصديقة، ولم يتطاول ولم يتجرأ علي، لم يقلل من احترامي، لم أشعر أني أمام «ذئب بشري» مستعد للانقضاض على فريسته متى حانت له الفرصة.. بل شعرت أني مع أخ وصديق أعتمد عليه.. هذا هو الشاب الذي خافوا علينا منه فعزلونا عنه بحجج كثيرة واهية. هذا هو الشاب الذي جعلونا «نخافه» بدل أن «نحترمه» وغذوا في رأسنا ورأسه فكرة أنه «ذئب يبحث عن فريسة».. متى ابتعد عن الجو الذي يشحنه بهذه الأفكار.. تبخرت من رأسه، ونسيها. أدى الشباب ثلاث رقصات جماعية من مختلف المناطق.. اشترك الكل فيها باختلاف مناطقهم.. وجدت هنا قادما من نجد يشارك أهل الحجاز رقصهم، وقادما من الحجاز يشارك أهل الجنوب رقصهم، وقادما من الجنوب يشارك أهل نجد رقصهم، وقادما من الشمال.. وآخر من المنطقة الشرقية.. الكل اشترك في الرقصات الثلاث.. فكونوا منظرا من التلاحم لم أشاهد أروع منه منذ زمن.. منظر فشل كثير من المهرجانات التي تفصل المناطق عن بعضها أن ترسمه. العنصرية التي أجد بعضها في مجتمعنا لا أكاد أجد منها هنا إلا 1 ٪.. كأنها تذوب ما إن نبتعد عن «الطنطنة المستمرة في الأذن»، الكل هنا أصدقاء لا يهمهم من أي مدينة أتيت، ولا أي مذهب اتبعت.. يهمه فقط أنك تشاركهم نفس الحب للأرض التي احتوت الحرمين.. والأجمل من هذا كله، جاءنا سائح أجنبي فسأل «هل يوجد شيعة في السعودية؟»، جاوبوا «لدينا سنة وشيعة»، وعندما سأل مرة أخرى «هل الأغلبية سنية؟» أصر الجميع على نفس الإجابة «لدينا سنة وشيعة».. دون أي توجيه من أحد قرروا أن يجيبوا هذه الإجابة.. التي رأيت فيها أنا تقبلا يصعب أن نراه في وطننا. هذا السعودي هنا يخالف تصوراتنا المسبقة، فهو ينتخب في الأندية، وتفوز امرأة، ويقف بجانبها ويساندها حتى تنجح.. أكثر من شخص قال لي: نحن ندعم المرأة وسعيدون بنجاحك وسنقف بجانبك. طبعا هناك مشاكل واجهتنا، لكن الكل أراد أن يتغلب عليها وكأنها شيء لم يكن.. فشكرا للجميع.. شكرا لكم جميعا.. شكرا لكم بحجم الصفاء والنقاء والطهر في قلوبكم الذي لطخته الأحاديث البالية.. شكرا لكم بحجم عطائكم اليوم.. لن أنساه أبدا مدونة نجلاء http://www.najla2.com/wordpress/