كنت وما زلت مع حرية الأديب في استخدام الألفاظ والصور التي يراها تخدم فنية العمل، فلا يمكننا تقييد عقول وأفكار ومشاعر الأديب أبدا، والكتابة وبالأخص الأدبي منها حمّال أوجه فلا يمكن حمله على ظاهره فقط أو فهمه كما ذكر لفظيا، فهو يتطلب حسا وفهما أدبيا وبُعدا فكريا، لذا كنت دائما أمتعض ممن يقيّم أو يحمل على بعض الأعمال الأدبية وهو لا يمتلك ذلك الفهم والحس والبعد، لكنني في الوقت نفسه يتملكني الاستغراب والامتعاض من بعض الأعمال التي لا يمكن نعتها إلا بأنها «لا أدبية» و«لا أخلاقية»، تلك التي لا ترسم فكرة أو أدبا أو فنا إنما تعمد إلى تفاصيل شجون غرف النوم وأسفل الجسد، ولا تستحق أن تسلب دقيقة من وقتنا أو حتى أن تتكئ على أرففنا. لقد أصبتُ بذهول شديد وأنا أقرأ رواية لأحد «الأدباء» وقد أكملت قراءتها بحثا عن ضوء فيها ينصف الكاتب والعمل فما وجدت، لقد كانت وصفا دقيقا لكل ما هو رذيل ويستفز الفضيلة فينا، حينها فقط أيقنت أن المشكلات التي باتت تتلبسنا وتواجهنا قد تأتينا من بعض المحسوبين على النخبة المثقفة والمتأدبة لدينا، وقد كان حقيقا بهم أن يعملوا على بناء الفرد لدينا والنهوض به عقليا ومعرفيا عبر الرفد الثقافي وتنمية ملكة النقد والإبداع لديه، لكن ذلك البعض أبى إلا أن يمارس التسطيح وإثارة الغرائز، أنا لا أدعو إلى منع تلك الكتب، فالمنع لم يعد مجديا في عالم التقنية كما أنه قد يكون محرضا على الاطلاع عليها بل أدعو إلى زراعة الوعي لدى الأطفال وتعزيزه لدى المراهقين ومشاطرتهم انتقاء الكتب المفيدة والمحرضة على الإبداع، حتى إذا ما وصلوا إلى مرحلة لا بأس بها من الوعي يترك المجال مفتوحا لهم لاختيار وقراءة ما يشاؤون ومن ثم تشكيل اهتمامهم ورأيهم الخاص بهم، فنحن برغم قراءاتنا المتعددة والمتنوعة قد نقف مشدوهين أو خجلين عند قراءتنا لهذا الكتاب أو ذاك، وفي الختام أعود وأؤكد على ضرورة ترك المساحة لكل الأفكار والثقافات مع زيادة الوعي لدى الناشئة.