هل يعد نموذج الرخاء الاقتصادي الذي حققته اليابان بعد الحرب العالمية الثانية لا يقهر حقا كما كان معتقدا حتى الآن؟ سؤال يطرح نفسه وسط نضال السلطات اليابانية للسيطرة على تسرب المواد المشعة الخطرة من مفاعلات فوكوشيما النووية. يجيب الباحث المتخصص في مجال إدارة الكوارث في جامعة كانساي، يوشياكي كاواتا، بأن «المشهد الذي يتجلى الآن مثير للقلق العميق. وقد يكون الدمار الواقع تذكيرا قاسيا لنا بضعف مواردنا الاقتصادية والتكنولوجية التي جاهدنا بشدة من أجل صنعها». الواقع هو أن زلزال 11 مارس والتسونامي الذي تبعه وحول مساحات شاسعة من منطقة توهوكو المزدهرة إلى أراض بور موحلة، ولوث المناطق السكنية والزراعية بالمواد المشعة، إنما ينظر إليه الآن كدرس وبرهان على عجز التقدم التكنولوجي عن حماية الدول من الكوارث الطبيعية. ويضيف كاواتا «على سبيل المثال، ضخت اليابان الملايين من الدولارات لإنتاج وتشغيل قطارات عالية السرعة تمكن المواطنين من التنقل لمئات من الكيلومترات بسرعة قياسية. لكن هذه التكنولوجيا الرائعة التي تنتهج الراحة والكسب الاقتصادي غير قادرة على ضمان السلامة». لقد أعادت آثار الزلزال والتسونامي والكارثة النووية إلى الأذهان ذكريات فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية عندما تحولت مدينتا هيروشيما وناجازاكي إلى أطلال يتصاعد منها الدخان جراء القصف الأمريكي لهما بالقنابل الذرية في عام 1945. صحيح أن اليابان تغلبت على تلك المأساة عبر ما يعرف باسم «المعجزة الاقتصادية اليابانية». ففي أقل من 40 عاما، بعثت من رمادها لتصبح ثاني أغنى قوة اقتصادية في العالم حتى أزاحتها الصين إلى المرتبة الثالثة في العام الماضي. كما كسبت اليابان احترام العالم والاعتزاز بمدنها البراقة ومواطنيها الأكثر تعليما وثراء وقدرتها الفائقة على الابتكار التكنولوجي السريع. لكن كل هذا الانتعاش ليس هو ما يتحدث عنه اليابانيون اليوم، فقد ظهرت بالفعل بعض الشقوق في نموذج النمو الاقتصادي المتبع بعد الحرب العالمية، وفقا للعديد من الخبراء والمحللين. وعلى سبيل المثال وجه شيجينوبو هاتوري، العالم لحساب الدولة سابقا في برامج تصميم سياسات الطاقة النووية في اليابان في السبعينيات، انتقادات شديدة لنواحي الضعف والنقص في هذا القطاع في بلاده. وشرح أن كبرى شركات الطاقة، وهي التي تحظى بدعم كميات ضخمة من أموال الدولة، رفضت البحوث التي أجريت لبناء مفاعلات نووية أصغر حجما وأكثر أمنا، بل وأكثر ملاءمة لليابان المعرضة للزلازل. وأفاد بأن الشركات الكبرى قالت إنها لا تستطيع تمويل مثل هذه البحوث لأنها لا تناسب مشروعاتها الكبيرة لبناء محطات كبيرة لتوليد كميات كبيرة من الكهرباء، وبذلك «ضحت بأرباح الشركات ونزعت الكرامة الوطنية بسلامة الإنسان في نطاق الانتعاش الاقتصادي» .