تأخذنا الدهشة أو ربما الاستياء أحيانا حين نلبي دعوة لشخص نعلم عنه العيلة وضيق ذات اليد، ولربما نكون قد مللنا من الإنصات لشكاواه من كثرة الديون التي أرهقته والالتزامات التي أتعبته، وتكمن تلك الدهشة في حين نشاهد ألوان وأشكال ما تكلفه من مظاهر تفوق مستواه، بل وتجعله في موضع السخرية حين يكتسب مظهر «حديث النعمة»، في حين أن كثيرا من الحاضرين يحملون هم «الجري» وراء تحصيل ما أقرضوه إياه. بينما نجد في المقابل أن كثيرا ممن أفاء الله عليهم ووسع رزقهم يتحرون البساطة ويتجنبون التبذير والمباهاة، مما ينأى بهم عن أخطار سهام الأعين الحاسدة. «مد الرجل على قد اللحاف» – أكرمكم الله – طريقة مثلى تكسب صاحب كل طبقة الشكل اللائق به، ومع كون الإقراض مظهرا من مظاهر التلاحم والتعاون المجتمعي، إلا أن من دواعي الأسف أن يرى المقرض المقترض يكثر من وجوه الصرف غير ذات الأهمية، وكأنه لا يدرك قيمة المال الذي اقترض ولا ثقل ما يحمل من مهمة إرجاعه. التحدث بالنعمة وعدم جحودها وإنكارها، اعترافا بمنة الله وفضله شيء مما أتى به الإسلام، والله سبحانه يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، لكن الإسلام لم يكلف المرء المسلم فوق طاقته ولم يحثه على ذلك التكلف للظهور بهيئة مصطنعة، بل بين له خطورة الدَّين وحثه على التكسب المشروع والإنفاق في إطار «لينفق ذو سعة من سعته»، ورسم له معالم ذلك الإنفاق في «لا يكلف الله نفسا إلا ما أتاها». وإذا كان الإسلام قد جعل الكذب مخافة الحسد جائزا، فلنا أن نستنتج خطورة ذلك التباهي والتفاخر بالنعم أمام خلق الله، الذين لا يخلو اجتماعهم من الضعيف والعاجز والحاسد والناقم، والمقترض الذي غالبا ما يكون هو المستضيف ذاته!