كثفت الدبلوماسية التركية جهودها أخيرا على جبهة جديدة في الشرق الأوسط، وذلك على ضوء الاحتجاجات التي اندلعت في جارتها سورية التي تشاطرها منطقة حدودية يبلغ طولها 800 كيلومتر. وتبلورت هذه الجهود من خلال اتصالات يومية مباشرة بين رئيس الوزراء رجب طيب أردوجان والرئيس السوري بشار الأسد، إضافة إلى متابعة وزير الخارجية أحمد داؤود أوغلو التواصل مع نظيره السوري وليد المعلم لتقديم مساعدة تركيا في عملية الإصلاح نحو نظام ديمقراطي. كما أوفدت أنقرة رئيس الاستخبارات الوطنية هاكان فيدان إلى دمشق للتعبير عن مخاوف حكومته من انتشار الاضطرابات الاجتماعية من درعا، جنوب غربي سورية، إلى المدن الكبرى مثل اللاذقية والمطلة على البحر المتوسط والأقرب إلى الحدود التركية. وترجع هذه الجهود المكثفة إلى مدى حساسية المشكلات السورية الداخلية بالنسبة لتركيا. ويكمن مصدر القلق الرئيسي لأنقرة في المواطنين الأكراد في سورية، البالغ عددهم 1.4 مليون نسمة والذين، في حالة انهيار نظام الأسد، قد يتطلعون إلى التنسيق مع نحو 15 مليون كردي تركي، وسبعة ملايين كردي إيراني، وستة ملايين كردي عراقي، بغية المطالبة بدولة كردية مستقلة. وتحسبا لهذا الاحتمال، ضمن أمور مهمة أخرى، شكلت أنقرةودمشق مجلس تعاون استراتيجي رفيع المستوى عام 2009، وأجرى البلدان مناورات عسكرية مشتركة. يذكر أن تركيا واجهت منذ عام 1978 سلسلة من النزاعات المسلحة مع حزب العمال الكردستاني، وهو المنظمة الانفصالية التي صنفتها تركيا والاتحاد الأوروبي وأمريكا على أنها جماعة إرهابية. وتسببت هذه النزاعات في مقتل ما لا يقل عن 40 ألفا من بين الجنود والدرك الأتراك ومقاتلي حزب العمال والمدنيين، في حين تجاوز عدد الجرحى 30 ألفا، والمفقودين نحو 17 ألفا. وذكرت دراسة أجرتها جامعة نيو برونزويك الأمريكية عام 1998، أن ما لا يقل عن ثلاثة ملايين شخص قد شردوا في جنوب شرق تركيا ومنطقة الحدود مع العراق حتى ذلك العام، لأسباب متعلقة بالنزاع المسلح، في حين دمرت ثلاثة آلاف قرية كليا أو جزئيا. هذا، وينظر الرأي العام التركي بحذر وحساسية تجاه مسألة الحكم الذاتي الكردي، شأنه في ذلك شأن المواطنين السوريين، حيث تضع هذه الدول سلامتها الإقليمية على رأس أولوياتها القومية. *وكالة إنتربريس سيرفس