مع كل ما لأيام الدراسة من سلبيات وصعوبات وروتين، إلا أن تلك المساحة من «الفرعنة» ونفش الريش فيها كانت ذات جمالية خاصة، فمهما تجاوز الطالب حدوده أو تطاول على معلمه، فإنه يضمن عجز معلمه عن أكل حقه في الاختبار النهائي خصوصا أن التصحيح يكون بين لجنة لا بأس بعددها، هذا عدا تأثير جانب تدخل ولي الأمر الذي يعول عليه الكثير من الطلبة. ولا نغفل الجانب النفسي الإيجابي المتمثل في تلك الدفعة المعنوية وتعزيز جانب الثقة بالنفس الذي يناله الطالب حين يمارس فعل «الفرعنة» داخل الفصل، مع كل نظرات الدهشة والتعجب من حوله. المحيط الجامعي يفقد المرء كل ذلك بين إجازة وضحاها، ويندر أن يكون ذلك التغير المفاجئ في مصلحة الطالب، فبعد أن اعتاد أخذ حقه «بزيادة» يحدث أن يُفاجأ بعينة من الأساتذة الذين لا يرون في التصحيح سوى مضيعة للوقت، ويفعلون جانب التقييم الشخصي حتى على ورقة الامتحان، هذا إذا لم يتكرم بعضهم مسبقا بوضع سقف أعلى للدرجات، مما لا يخفى خبره على معظم الطلبة. ولعل من أهم القواعد التي يتحتم علينا غرسها في طلبة الثانوية في إطار تهيئتهم للجو الجامعي، القاعدة التي تنصح بتصديق كل ما يقوله الدكتور عدا جزئية تقبله للنقد والرأي الآخر، التي تتكرر مع افتتاحية كل منهج، ثم تظهر آثارها على كل طالب انطلت عليه تلك الافتتاحية. ومما ينبغي اعتياده أيضا مسألة «الفلسفة» عند بعض أعضاء هيئة التدريس، الذين يرون في «الدال» التي تسبق أسماءهم مسوغا للتنظير على خلق الله، وإقحام آرائهم ونظراتهم المستشرفة للمستقبل في أدق الأمور على تنوعها، ف«دال» الإعلام أو الجغرافيا أو الحاسب تخول الكثيرين ولوج عالم الإفتاء وإبداء وجهات النظر حتى في الجوانب الدينية. أقترح استحداث وظيفة «مذكِّر» في المحاضرات الجامعية، لا لشيء، سوى لتذكير بعض الأساتذة بعالمهم وحدود وظيفتهم متى دعت الحاجة.