مضى زمن بل أزمان ونحن مغيبون حينا وغائبون أحيانا وكأن الشاعر عنانا حين قال: ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأمرون وهم شهود وربما تكلم باسمنا مجتهد ناصح لم نوكله بحديث ولم نستعن به في إفصاح أو إيضاح فقال نيابة عنا: «قالت العرب» و«وهذا مشهور عنهم» و«كانت العرب تفعل هذا» إلى غير ذلك فترى مثلا الحديث عن ظاهرة من ظواهر الشعر العربي القديم وهي ظاهرة «الاستنباح» فتجد كل بيت وردت فيه لفظة «استنبح» أو «يستبح» قد ذيل بأن العربي كان يستثير الكلاب لتنبح فيسترشد بذلك إلى جهة الحي، ولك أن تضحك عجبا أو ألما إذا علمت أن عامة الشراح قديما وحديثا متواطئون على أن العرب كانت تستجلب النباح بنباح، فالعربي ينبح نباح كلب ليستثير الكلاب، فياليت شعري ما الذي سيقوله سيد أهل الوبر قيس بن عاصم، أو ملاعب الأسنة عامر بن مالك، أو حاتم الطائي، أو غيرهم من عظماء العرب في الجاهلية والإسلام؟!! ما قولهم لو بعثوا وعلموا أن هذا ما يكتب عنهم في مؤلفات من نصبوا حماة للعربية؟ بل كيف بهم إذا علموا أن ورثتهم في قلب جزيرة العرب قد قبلوا هذا؟ بل و درسوه من غير نكير منهم أو مراجعة. فإذا كان أسلافنا قد غيبوا فلم يستشاروا فيما كتب عن آبائهم وذلك لبعدهم عن حواضر الإسلام وغيابهم عن المشهد، فما هو عذرنا اليوم ونحن نرفل في أردية الألقاب العلمية؟ ومع ذلك لا نعدو أن نكون مرددين لما كتبه عنا إخوة لنا لا يعرفون عنا إلا ما استظهرته أفهامهم من النصوص التي ربما جانبهم الصواب في فهم أكثرها. إن الترهل البحثي الذي نتردد في مهالكه قد حال بيننا وبين استعادة أرسنة القيادة التي سيفتح بها للناس باب من العلم في العربية لم يطرق بعد ولم تكتشف خباياه وكنوزه. * إعلامي وباحث في الأدب العربي