أعتقد أنه بات من الصعوبة بمكان إذا ما تلفت أحدنا حوله في مكتبه أو منزله، أن يحصي عدد الأجهزة الكهربائية التي يملك، والتي لا يدرك عدم جدوى أكثرها أو لعله لا يندم على اقتنائها إلا مع صدور فاتورة الكهرباء القادمة. أخشى أن يتحول معظمنا إلى كائنات «إلكتروبشرية» تحمل خصائص وسمات الآلات ومميزات وصفات البشر، مع كل هذا الغزو الهائل للاكترونيات والتتقنيات في حياتنا، تلك التقنيات التي باتت تحكم تواصلنا بل وتترجم حتى مشاعرنا إلى لغة «01». حين نقرأ عن الأشخاص المدمنين على استخدام «الإنترنت»، أو الذين يعيرون التلفاز أهمية كبرى ووقتا طويلا، ويعتمدون كثيرا على استخدام الأجهزة في حياتهم، نشعر بأننا بمنأى عن هذه الممارسات المبالغ في خطورتها والتحذير منها، وبمجرد حدوث العادة الدورية لشركة الكهرباء والمتمثلة في «الانقطاع» نستطيع بوضوح أن نرى أعراض «فوبيا الانقطاع التياري» في كل صور التسخط والانزعاج، والنفوس التي سكنت أرانب الأنوف. وحين يكون الإنترنت متنفسا واسعا للتواصل مع بقية الكائنات الإلكترونية المفترضة، وساحة كبرى للتعبير الجريء عن كوامن النفوس، تلك النفوس التي بات تواصلها مع «أشخاص الواقع» تواصلا رسميا بحتا يخالطه الجفاف، ومع «الأشخاص الافتراضيين» تواصلا واسع الأفق بتعابيره الصادقة و«فضفضته» المريحة، نستيطع إدراك «لوعة» تلك النفوس إذا ما فكرت في احتمالية فقده. ارتباط كل تلك الإلكترونيات والتقنيات في حياتنا وعلى رأسها «الإنترنت» بات ارتباطا لابد منه، ولا نستطيع الفكاك منه حتى حين نود الحديث عنه أو التحذير منه، فلن أستطيع إرسال مقالي هذا إلى حضراتكم في مثال قريب إلا إذا ما استخدمت حاسبي الآلي وانخرطت كخيط في العنكبوتية الهائلة، ليصل مقالي إلى «شمس» التي تطبعه مذيلا ببريد «إليكتروني» وتعرضه في موقعها «الإلكتروني» تفاعلا مع القراء «الإليكترونيين» الذين تجاوزوا عهد التصفح الورقي. لكم أن تجربوا طعم الحياة يوما واحدا كاملا دون استخدام التقنية، على أن ترسلوا تجربتكم على البريد «الإلكتروني» أدناه!.