لأنني ابن البحر، شرقاوي الهوى أعشق السمك وأتغذى عليه، ذهبت أثناء زيارتي لمعرض الكتاب الدولي بالرياض لمطعم يقدم الأكلات البحرية، وحين وقعت عيناي على أصناف الأسماك سألت العامل البنجالي الطيب: «السمك طازج؟» فأجابني بثقة منقطعة النظير والابتسامة تشق وجهه: «نعم مدير، هذا السمك من الرياض»! منذ متى والرياض فيها بحر؟ لربما مياه الخليج العربي عانقت العاصمة دون معرفة من أحد! أو لربما اشتاقت نجد لزيارة حبيبتها جدة فجاورتها زمنا وأخذت منها الهدايا وسلال الأسماك! كل ذلك حلم لذيذ لا يمكن أن نحققه إلا في والت ديزني ضمن مشروع الخيال العلمي الذي من الممكن أن نعلّمه للأطفال أثناء وجباتهم المدرسية في مادة الوطنية، لكنه حتما لن يتحقق على أرض الواقع، لا سيما إذا ما علمنا أنه لم يعد ثمة خليج في الشرقية، وأن عمليات الردم والدفن غطت مساحات هائلة من البحر فأكلت الماء وقتلت الثروة البحرية، وهربت الأسماك لبيئة حياتية جديدة تجد فيها غذاءها دون افتراس بيوتها من الوحوش البشرية التي تطمع في مد أسمنتها الميت لقلب البحر. ورغم كل الأصوات التي وقفت ضد هذا المشروع اللابيئي من مؤسسات حماية الثروة السمكية، ومن كتاب وصحفيين ونشطاء وحقوقيين، ورغم كل المناشدات والخطابات من أهالي وصيادين أمام تلك السواحل البكر أثناء ردمها، رغم كل ذلك فقد استمرت مشروعات الردم دون أدنى مسؤولية وطنية أو حس حضاري من أحد، لتغطي الأزرق برمال الصحراء، ولتمد الجسور والمخططات العقارية والتوسع العمراني شرقا، وكأننا لا نمتلك صحراء شاسعة لا ناقة لنا فيها ولا بعير! ناسين أو متناسين أهمية هذه السواحل البحرية في خلق توازن بيئي، وفي إنعاش الحالة السياحية بكل ما تحمل من ثروات طبيعية، ومراكز اقتصادية مهمة تحقق الاكتفاء الذاتي! ففي يوم ما قد نستورد أسماكنا من الهند وأستراليا! وساعتها لن نتضاحك على ذلك العامل البنجالي الطيب الذي لا يفرق بين السمك و «الضبان» في بلد ما زالت رماله تنتظر فستانها الأخضر بخجل العرائس وصبر العجائز.