بإمكان أي شخص يجد نفسه «فاضيا»، ويفتقد الإثارة والتشويق في حياته أن يتجه إلى معرض الكتاب، فهناك بإمكانه أن يمارس ما يشاء من مغامرات في حق الموجودين بحجة الاحتساب، كما يمكنه إن شاء أن يهدد بأن يكسر يد من يشاء، ويمكنه أيضا أن يعطي دروسا في الأخلاق في حق أي شخص موجود، وربما أمكنه أيضا مصادرة بعض الكتب، حتى وإن لم يقرأها، فيكفي أن يتصور هذا الفاضي من كل شيء أن هذا العنوان أو ذاك هو ضد الدين. هذا المحتسب الفاضي من الطبيعي أن تكون هذه الأيام أزهى أيامه، وأكثرها حركة، ففيها معرض للكتاب يجمع كل المخالفين، الذين يتحرق هذا المحتسب إلى الاجتماع بهم ومهاجمتهم ووضعهم في حجمهم الحقيقي، لكن الإيجابية للمحتسب هذا العام أن الجهات المعنية بالمعرض أعلنت مسبقا أنها لن تمنع أحدا من دخول المعرض وفعل ما يريد، وهي إشارة فهمها المحتسب خطأ، وإن كان ليس بحاجة إليها، فهو أعد العدة وجمع رفاق الدرب لغزوة معرض الكتاب. اللافت في المحتسبين أنهم شجعان وكأنهم أسود لا تخشى شيئا حين تكون المسألة متعلقة بالثقافة، فترى التكشير عن الأنياب والأسنان والأضراس، لكن في المناسبات التي تخص جهات أخرى «...» لا ترى أحدا منهم، حيث تختفي هذه الأسود وتصاب بالصمم والبكم في الوقت نفسه، أما المناسبات التي يكثر فيها الشباب فأعدادهم قليلة وهم مثل الحملان الوادعة وخطابهم الدعوي يصبح كوميديا، ويبدو أن السبب أن الشباب قد لا يحترم المحتسب حين يسيء الأدب، لكن المثقف والناشر ومقتني الكتاب أشخاص مسالمون وضد العنف وهذا يشجع أكثر الناس جبنا على أن يكون محتسبا مغوارا.