لم تتبدد مشاعر الحسرة على حال الكتاب في مجتمعنا إلا حين عانقتُ أرجاء عاصمة الخير واستنشقت عبير افتتاح معرض الكتاب الدولي، لقد شعرتُ حقا بالفخر وأنا أحتسي قصيدة الحفل لشاعرة الإباء شقراء مدخلي أو أشتم جسارة الدكتور مبارك الخالدي وهو يلقي كلمة أهل الثقافة بمسؤولية وثقة، لاشك أن من سمعهما سيطمئن لحال الثقافة والأدب نسبيا لدينا، كما أن اكتظاظ بهو المعرض بالزائرين أمر لافت، فمجرد إقدامهم على الحضور لمحفل ثقافي يشير إلى مستوى وعي يبشر بخير، حينها سيذهب بك الذهن إلى حيث أيام مجد الكتاب، تلك الفترة الزمنية الذهبية للمعرفة والفكر حين كان الأفراد يقطعون المسافات الطويلة راجلين أو راكبين لطلب العلم أو الحصول على كتابٍ أو مخطوطة. معرض الكتاب الدولي لا ينمي داخلنا الحس المعرفي والأدبي والانتماء الثقافي أو يعزز قيمة الكتاب ومكانته أو ليوقظ في الأرواح نبضات الخوف على دور الكتاب المنحسر في عالم التقنية والتسطيح والركض وراء لقمة العيش فحسب، إنما يرفدنا كذلك بمشاعر موجبة تبعثر تلك التي رانت على قلوبنا نحن من محبي الثقافة ومعاقري الأدب. يجب أن نحاول دوما وبالأخص في هذه التظاهرة الثقافية أن نعزز مفاهيم غائبة عن المشهد المجتمعي وأهمها دور القراءة في البناء المعرفي والاجتماعي والنفسي والاقتصادي، فالقراءة مشروع حياة ناهضة وانحسارها انحسارا لبقايا أنماط الحياة التي نمارسها، فحين نقرأ نتحول من كائنات بيولوجية إلى أناس ذوي قيمة، حين نقرأ فنحن نرفض الجهل والانكفاء، حين نقرأ فنحن نقاوم البطالة والمرض والفقر، حين نقرأ فنحن نفكر وحين نفكر فنحن نصلح ونبني ونغير إيجابا!. شكرا لوزارة الثقافة على كل ما بذلته في سبيل إقامة هذا المعرض الوارف، شكرا لكل من تجشم العناء وحضره من قريب أو بعيد، شكرا لكل روحٍ وكل شيء في ذلك المكان الذي دهق روحي بالانتشاء وسأختم ببيتين من قصيدة الاحتفاء للشاعرة مدخلي: «من المغرب الأقصى إلى نهر دجلة.. ألوف لها وسط الرياضِ مراتع / ثقافة أحرارٍ وعزف مهابة.. وفجر بدا رغم الغوايات ساطع».