لماذا أصبحت مفاهيم كالاختلاف صافرات إنذار بعد أن كان وجودها مؤشر ازدهار وحضارة إثراء؟ لم أصبح الاختلاف رديف الخلاف؟ حين نأتي للاختلاف نجده تباينا فرعيا وتنوعا للآراء في فضاء واحد غاية سامية واحدة، وربما أستطيع القول إنه المحاولات المتنوعة لإعمار الحياة، وهذا يتماهى مع غاية الوجود الإنساني حتى تصبح تنمية الحياة وترقيتها عبادة يثاب عليها الفرد، وكم تباينت آراء الصحابة في محضر رسول الله، عليه الصلاة والسلام، حول أمور تعبدية مهمة كالصلاة والصوم، وحتى بعد رحليه تباينوا في أمور حساسة تحدد مصير الأمة كقتال مانعي الزكاة وجمع المصحف فما تقاطعوا ولا تدابروا ولا جرى على ألسنتهم السوء، وكان مبعثهم على ذلك اجتهاد متجرد من الهوى والحيف. أما الخلاف الذي هو مرادف للنزاع والتباين الجذري، فإنه حين يعمق فستنعدم الأرضية المشتركة وينتفي الحوار وأدواته، حينها تغيب الحجة والعقل وتصبح التعبئة النفسية وقود الحرب التي تسعى لإلغاء الآخر، وكلما ازدادت ضراوة الحرب ظن صاحبها أنه ماض في سبيل الحق وإن كان باعثه على ذلك هوى. وليس ذلك سوى استنزاف للمرحلة الحرجة التي نمر بها، كما أنه نكوص عقلي وتاريخي وحضاري ذريع، فيعيش المجتمع شقاقا ونزاعا يعاد إنتاجه مرارا وفي كل مرة يرسم واقعا مجهضا وأفقا مسدودا. أخلص إلى القول إن الواقع لا يمكن تفكيكه والتعامل مع بعض أجزائه وإلغاء الأخرى، كما أنه ليس وحدة منطلقة من تعميم نسق محدد، لكنه مزيج متعدد العناصر، نحتاج لاستيعاب تناقضه وتباينه والربط بين مفاهيمه للوصول إلى تركيب شمولي، وكما نعرف أن الطابع الشمولي الذي يطبع الدولة الإسلامية يختلف تماما عن الشمولية في أثوابها الأخرى، فالشمولية الإسلامية تستهدف تحقيق العدل للرعية دون انتقاص أو إلغاء لأحد، كما أنها تسمح لهامش تعددي في إطارها الشامل. نحن نستند إلى قاعدة تراثية صلبة تجمعنا جميعا، لكننا بحاجة لعقول خلاقة تتعاطى مع الواقع باتزان، نحن بحاجة إلى تجاوز الشخصنة التي تؤجج الشقاق، ومازالت عبارة مفكرنا الإسلامي الرائع عبدالله بن بيه تسكنني: «ما بال الإنسان يضيق ذرعا بأخيه الإنسان؟!». فما بالنا نحن المسلمين ببعضنا أضيق؟