منذ عشرة أعوام فقط انسحب عدنان الخلف من الجامعة لأنه لم يتمكن من تدبير مصاريف السكن في القصيم. عاد إلى منزل أهله في الرياض ليلتحق بكلية أخرى آملا في أن يحصل على وظيفة مسائية تمكنه من توفير مصروفه الخاص. بدأ الخلف براتب 1700 ريال، لكنه قرر أن يخرج من وظيفته بعد ستة أعوام، رغم أن راتبه وصل كما يقول لما يعادل راتب وزير. أما الآن فهو المدير التنفيذي للشركة العربية للعود، لكنه لا ينسى محطات التحول التي قادته لهذه المكانة. وفي حواره مع «شمس» قال الخلف إنه لم يحقق إلا 10 % من أحلامه، معتبرا أن ما وصل إليه وليس نجاحا بل بداية نجاح. كما تطرق الخلف للعديد من المواضيع التي تلخص تجربته.. فإلي نص الحوار: بدأت دون أي قاعدة تستند إليها من استثمار عائلي أو علاقات قوية ومع ذلك وصلت خلال عشرة أعوام إلى منصب مدير تنفيذي في شركة العربية للعود.. كيف كانت البداية؟ البداية كانت في عام 2000/2001، حيث كنت في جامعة القصيم أدرس علوم حاسب. وانسحبت متصورا أنني سأتوقف فصلا واحدا فقط لأني في ذلك الوقت لم أجد عملا يمكني من تغطية تكاليف السكن والدراسة في وقت واحد. قبل ذلك كنت أعمل في كبائن الهاتف لأغطي مصاريف دراستي الثانوية.. كان من الصعب أن أعود وأطلب مصروفا من أهلي. ولأني لم أستطع تغطية التكاليف انسحبت على أساس أكمل في الرياض وبالتالي أوفر تكاليف السكن. ماذا فعلت بعد انتقالك للرياض؟ لم أكن أنوي العمل في القطاع الخاص. لكن وجدت أن توفير تكاليف السكن لا يعني أني وفرت مصروفي وبالتالي بدأت العمل في شركة خدمات واستقدام وانتقلت بعدها للتدريب في شركة طويق، وهذه المرحلة تعلمت فيها كثيرا وكانت بمثابة شراء الخبرة. عملت أول أربعة أشهر مدخل بيانات ولم أقبض راتبي خلال تلك الفترة، ولم أعرف أصلا كم الراتب. كان هناك اختلاف بين المديرين فأحدهما يقول 1700 على نظام من يعملون بشهادة الكفاءة ومدير آخر يقول الشاب معه ثانوية وطالب في الجامعة ويفترض أن يحصل على 2500 ريال. لم أكن أهتم لأنني مؤمن أنني أتعلم وأشتري خبرة وكذلك كانت الفترة المقررة للتدريب ستة أشهر فقط وبالتالي يمكن احتمالها بأي وضع. وما حصل أنه بعد انتهاء الستة أشهر وجدت نفسي في العمل كثيرا وسلموني قسم الملفات ودارت الأيام وأصبحت مديرا على الذين اختلفوا في راتبي وأثبت لهم نفسي واعترفوا بأنهم كان يجب عليهم التعامل مع ملف السعودة بشكل أفضل، وأن هناك قدرات وطاقات ضاعت عليهم نتيجة عدم جديتهم في التعامل مع السعودة. من «طويق» إلى «العربية للعود» هل أغناك العمل عن حلم الشهادة الجامعية؟ تدرجت ب «طويق» حتى أصبحت مدير شؤون موظفين مكلفا، وكنت أحلم بأن يطول تكليفي لفترة ستة أشهر لأني كنت أعتبر أن هذا معادل استغنائي عن شهادة البكالوريوس. كانت الفترة ثلاثة أشهر وفعلا مددت لستة أشهر، وكنت مدير شؤون موظفين على أكثر من 15 ألف موظف، بعضهم مستشارون. وكان الموظفون تحت يدي يأخذون رواتب أعلى مني. وعندما انتهت فترة تكليفي وأثبت نفسي في المهمة تسلمت إدارة شؤون الموظفين والعلاقات الحكومية والشؤون الإدارية. وكان تحت يدي ثلاث إدارات وراتبي لم يتجاوز ستة آلاف ريال أي ما يعادل ثلث ما يأخذه مدير على إدارة واحدة من هذه الإدارات، لكن أقنعت نفسي في ذلك الوقت بأن هذه مرحلة شراء خبرة. وقتها أتتني عروض بخمسة أضعاف الراتب في شركات صغيرة، لكن ما كنت أتعلمه في «طويق» بيوم، لم أكن لأحصل عليه لو عملت في ثلاث شركات أخرى. ولهذا فضلت البقاء في «طويق» وبعدها تغير الوضع ولم يقصروا معي، وأذكر أنه عند خروجي من الشركة كان راتبي راتب وزير. وخرجت لتحفظي على خطوات كانت بوجهة نظري ستؤدي إلى خسائر في «طويق». وآخر راتب في «طويق» كان أعلى من راتب وزير. وماذا حدث بعد «طويق»؟ أتاني عرض لتوقيع عقد مع شركة «الشايع» في الكويت، وكان واضحا أنني سأتعلم كثيرا من الأشياء في العمل معهم. وقبل أن أسافر إلى الكويت تلقيت اتصالا من الشيخ عبدالعزيز الجاسر صاحب الشركة العربية للعود وجلست معه وأحببت شخصيته، وفضلت العمل مع «العربية» لعدة أسباب منها أني رأيت أن تطوري في «العربية» أفضل لأن «الشايع» وكالات أجنبية ولن يصل إلى المناصب العليا إلا غربيون، كما أن «الشايع» عائلة ناجحة جدا إداريا، وأبناؤها على مستوى عال من الخبرات الإدارية فهم أولى بالمناصب العليا مني كشخص قادم من السعودية، فضلا عن ذلك، كان لإعجابي بشخصية الشيخ عبدالعزيز الجاسر دور في قراري بالعمل معه. وأذكر أنه في ثاني أسبوع لي من «العربية للعود» اتصل بي مسؤولو «طويق» وقدموا عرضا أفضل من «العربية» لكني التزمت بكلمتي مع الشيخ. وكنت سعيدا أن «طويق» تداركوا التحفظات التي تركت العمل لأجلها قبل أن يصلوا للخسارة. التعلم شعاري دخلت عالم «العود» وهو مجال مختلف تماما عن خبراتك.. فكيف باشرت العمل؟ لم أكن حتى أستهلك العود، وعلاقتي به كانت معدومة، ووضحت للشيخ أنني لست ذا خبرة بهذا المجال وطلبت منه فترة ثلاثة أشهر أتعرف على العمل وطلبت ألا تسلم الشركة بالكامل من أول العمل. ومسكت المنطقة الوسطى، وفي الشهر الثامن بدأت تسلم بقية الملفات، ومن 2008 وأنا مدير للشركة. تبخرت الشهادة الجامعية؟ لم تتبخر ولن تتبخر أبدا إلى الآن، أحاول أعوض مسألة الشهادة الأكاديمية، ولهذا أنا أدرس حاليا بنظام الانتساب للجامعة في تخصص المحاسبة، وبقي لي على التخرج 20 ساعة فقط. المسألة موازنة ربما ضحيت بها في وقت سابق لأصل لما أنا عليه الآن، لكن بالتأكيد سأعوض. صحيح أني لا أحتاج إلى الدراسة الأكاديمية الآن لكني أحتاج إليها لأعمال وأوقات أخرى. وأخذت دبلوما في الإدارة من الغرفة التجارية، وأنا على قناعة بأن الشخص يجب أن يحصل سنويا على ست إلى ثماني دورات تخصصية مهنية في مجاله. ومن أهدافي أن أحصل على الدكتوراه عام 2015. ما دور «الوساطة» في مسيرتك المهنية؟ الوساطة أضرتني. عملت فترة وكان يشرف علي واحد من أبناء بلدتي فرفض أن يعطيني الراتب المستحق حتى لا يقال إنه توسط لي، وأتاه فيما بعد تأنيب من مديره المباشر وقال له: «لا نريد أن نبخس أحدا حقه». هل وصلت سوق العود إلى مرحلة التشبع وما طموحاتك المتعلقة بالشركة العربية؟ بالتأكيد لم نصل إلى التشبع، لدينا فرصة كبيرة، وقد وسعنا حصتنا السوقية خلال السنتين الماضيتين وعندي طموح في عام 2013 أن يكون لدى كل المستهلكين العرب ثقافة استخدام العود أو على الأقل أن يكونوا قد جربوه لمرة واحدة. وهدفنا خلال عام 2020 أن يكون أي شخص في العالم يفكر في شراء عطر عربي أو عطر فرنسي. وما شجعنا على ذلك ضيوف العمرة والحج وإقبالهم على العطور العربية، أيضا فروعنا في لندن وباريس ودبي وماليزيا. ما ردك على من يتهمكم برفع الأسعار، ما جعل العود لطبقة محدودة؟ العود يشكل جزءا من مبيعاتنا، فنحن لا نعتمد عليه 100 % لأن المستهلك يستكثر سعر العود أحيانا وبالتالي لجأنا لحل آخر ومعادلة أخرى، أصبحنا ننتج مواد مشتقة من العود الأصلي الطبيعي ليس بتكلفة الطبيعي.. تكلفته 10 % ورائحته ممتازة للاستخدام اليومي وأفضل بمراحل من الروائح الصناعية والبخور الصناعي. كم تبلغ حصتكم في السوق ومن منافسكم الأبرز؟ «عبدالصمد القرشي» هو المنافس الأكبر خاصة في المنطقة الغربية، وفي السوق نحن مسيطرون بنسبة 45 % وفي القرى مسيطرون بشكل كامل، نظرا إلى أنه لا يوجد سوانا وبنك الراجحي، مع ذلك أقول إن أي محل يقدم خدمة ممتازة يعتبر منافسا حتى لو كان محل حلويات، فمن الممكن أن يكون المستهلك راغبا في شراء هدية وبدلا من أن يأخذ من محلي عطرا يأخذ حلويات من محل مميز. وفي دراسة محايدة بعيدة عنا جاءت نسبة سيطرتنا على السوق ب 37 % فقط، لكن الدراسة بعد مراجعتها كانت محصورة في المدن الرئيسية، وبعدنا يأتي عبدالصمد القرشي بنسبة 16 %. ما الذي يميزكم في «العربية للعود» عن الآخرين؟ ثلاث نقاط تميزنا في «العربية للعود» الأولى: عالمية المنتج، وأقصد أن منتجنا دخل إلى مختبرات باريس، لندن، الأردن، وماليزيا وهي أكثر المختبرات دقة، خاصة من ناحية الكحوليات التي يجب أن يحتويها العطر الشرقي ونسبتها ونوعيتها حتى لا تكون ضارة على البشرة أو للتنفس، وهذه مسألة كلفتنا لكن بدأنا الآن نجني ثمارها. النقطة الثانية أن المنتج عربي 100 % من ناحية التصنيع والإنتاج والمواد. وطبعا لا أتكلم عن الغابات التي تم شراؤها رغم ما تكلف ورغم الصعوبات والمخاطر التي تواجهنا فيها، لكن أتكلم عن مرحلة الإنتاج والتصنيع. لدينا مصنعان في الرياض و80 % من عملية الإنتاج والتصنيع تتم في الرياض. عملية تقطير وتنظيف العود تتم في الخارج حتى لا نشحن مواد سنتخلص منها في عملية التنظيف. لدينا مصنع في تايلاند، ونستأجر مصانع في جبل علي في الإمارات. وإجمالا العود يمر تصنيعه وإنتاجه بسبع مراحل؛ ثلاث منها في الخارج وأربع في الرياض. النقطة الثالثة في مزايانا هو التوافر ومعرفة قيمة المنتج، يعني أينما ذهبت ستجد النوعية التي اعتدتها وستكون قيمتها معروفة لدى الآخرين سواء استخدمته لشخصك أو اشتريته كهدية. دروس للشباب من تجربتك كشاب بدءا من الصفر كيف ساعدت غيرك من الشباب السعودي؟ من 2003 لا يعمل معي إلا سعوديون، هذا من جانب القدوة للمديرين، ومن ناحية أخرى أعتقد أنه يلزم كل إداري ناجح أن يبني كل سنتين شخصية أخرى، النجاح أن توجد حولك قيادات أفضل منك، والخطأ أن يكون مثلك. وعن تجربتي الحمد لله شاركت في صناعة مدير مشاريع واحدة من أكبر خمس شركات مقاولات في السعودية؛ وآخر مدير مشروع قيمته 400 مليون ريال، والشخص الثالث مدير خدمة العملاء في شركة زين. وآخرين. وأنا أفتخر بهم الآن فهم يملكون جوانب من المعرفة تفوقني. بعضهم كان من أصحاب المال وخسر مئات الألوف وبدأ يشتغل معي براتب 2800 ريال وحاليا منذ فترة بسيطة راتبه تجاوز 38 ألف ريال خلال ستة أعوام فقط. أنا أتهم أني عنصري مع السعوديين وخاصة من الجانب الشخصي وليس العملي، أحاول أركز معهم أكثر وأطورهم أكثر رغم أنني أحيانا أدفع ثمن ذلك. لكن الآن لمست أني نجحت كثيرا مع شخصيات كثيرة بفضل هذه السياسة وسأستمر على هذا الخط. عمل معي أكثر من 6000 سعودي على مستوى المملكة. وجدت شبابا جامعيين يشتغلون بائعين وب 2000 ريال وعندما تسأله لماذا يجيب: «أشتري خبرة إلى أن أجد الوضع المناسب»، وهؤلاء لمست أن نجاحهم كان أكبر من الذين لديهم قدرة مالية. في الشركات التي عملت فيها كيف كانت علاقتك مع أولاد صاحب المال؟ هل كان هناك نوع من المنافسة والغيرة؟ كنت أتابعهم في كل الشركات التي عملت معها، وعلاقتي معهم أكثر من أخوية، وأحيانا أكون حلقة وصل بينهم أو أوفق بين وجهات نظرهم المختلفة، وأحيانا يطلب مني التدخل بينهم. إلى من تدين بالفضل في مسيرتك المهنية الناجحة بعد الله؟ لكل من آمن بتجربتي وساعدني؛ أصحاب الأعمال الذين أعطوني الفرصة تحديدا الشيخ عبدالعزيز الجاسر والدكتور صالح الفهاد يستحقان الشكر، وكم أتمنى أن يكونا قدوة لرجال الأعمال .