كان افتتاح جامعة الجوف قبل أعوام أمرا بعث أبناء المنطقة على الفرح والفخر، خصوصا مع افتتاح أقسام جديدة والشروع في بناء المدينة الجامعية، فبزوغ شمس الجامعة سيكفي أبناء الجوف مشقة السفر للمناطق الأخرى لدراسة التخصصات الصحية والهندسية، إلا أن الآمال تقلصت بسبب الارتباك والتخبط الذي بدا واضحا في الآونة الأخيرة ابتداء بعدم انسجام أعضاء الهيئة التدريسية في بعض الأقسام، ما دفع مدير الجامعة إلى تغيير أحد عمداء الكليات قبل شهور، مرورا بتحويل الدراسة إلى مسائية في قسم التربية الخاصة، وهو ما أدى لامتعاض بعض أهالي الطالبات، انتهاء بتأخر إنجاز مبنى العلوم التطبيقية، وهو ما أزعج وزير التعليم العالي في زيارته الأخيرة، كما نقلت لنا بعض الصحف. جامعة الجوف جامعة قادمة بلا شك ومديرها على قدر كبير من الوعي والخبرة والعطاء، وهو محط ثقة الجميع، إلا أن الجامعة تفتقر حاليا إلى البنية التحتية والتخطيط الجيد، وكلاهما ساهم في تشتت الجهود المبذولة وتأخر عجلة نموها النوعي. مشكلة الجامعة من وجهة نظري أنها بدأت العمل والتوسع الكمي دون استراتيجية واقعية توازن بين الإمكانيات المتاحة والتطلعات المأمولة، فالمرحلية «التدرج» هي إحدى أسس البناء في المشاريع الحضارية الكبيرة، ومشروع جامعة هو بلا شك مشروع حضاري تنموي ضخم. لا يمكن لأحد تصور وجود أقسام طبية وعلمية متنوعة مع عدم توافر مكتبات حديثة ومتطورة كما وكيفا، ولا يمكن لأحد تصور مشاركة جامعة ما في مؤتمر بحثي دون توافر مركز بحوث في هذه الجامعة، ولا يمكن تصور تزايد في عدد الأقسام دون توافر مبان كافية مجهزة وهيئة تدريسية متجانسة على مستوى عال أو فوق المتوسط في أقل تقدير، كما أن استقطاب الحاصلين على الشهادات العليا وضمهم للكادر التعليمي لا بد أن يكون وفق آلية معينة للتأكد من قوة الجامعة المانحة للدرجات العليا ومستوى مخرجاتها البشرية وأهليتهم الأكاديمية كي لا نتفاجأ بأستاذ جامعي لا يجيد كتابة سطر بشكل سليم! الخطوات المتسارعة قد تتعثر فنقع في لحظات ارتباك أمام أنفسنا ومن حولنا، مزيد من الواقعية والخطط والتمحيص والتمهل سيقابله بحول الله مزيد من النماء والنقلات النوعية.