قد يتوقع أي فرد منا عنصرية في الشؤون السياسية أو العلاقات الاجتماعية، ويبدو لنا هذا جليا حتى في أكثر الدول انفتاحا وزعما للحرية، فذلك لا يحق له الترشح لأنه من عرقية مختلفة، إلا أن الأمر لا يمكن تصديقه أو تقبله أبدا في عالم الثقافة، فالثقافة كما أفهمها أنا هي العقل والجمال والمعرفة، بعيدا عن أي اعتبار عرقي أو إيديولوجي، وهكذا هي في ذهن أبسط فرد في هذا العالم، وأزعم أنها آخر حصون الممانعة في خضم هجمة التعصب والتعنصر، لذا يجب أن يبقى هذا الحصن منيعا لتبقى أشعة الضوء تنازع الظلام، وأظن أن هذا الحصن سيبقى فالتدافع سنة إلهية أزلية. حين نبصر «مثقفا» يسعى لإحلال ابن منطقته في منصبه قبل تنحيه، أو نسمع عن حشد أصوات لنزع مقعد لرئاسة تحرير أو لعضوية ناد أدبي لصالح ابن القبيلة، فما تفسيرات هذه التصرفات؟ فهل هي شيزوفرينيا «انفصام» المثقف؟ أم انتصار لعقلية موروثة؟ أم أنها نتيجة طبيعية لما بعد الحداثة، كما قال الدكتور عبدالله الغذامي؟ المثقف الحقيقي هو ذلك الذي يسمو على الموروث وينتصر للقيمة على الذات، ويمارس دوره التنويري في تعزيز مبادئ العدالة والبناء، وبالتأكيد ليس هو ذاك الفرد المثالي الذي تحدث عنه أفلاطون، ذاك الذي لا يخطئ ولا يفعل إلا الصواب، وذو صحائف بيضاء نقية، أقرب إلى الملائكة من البشر، إنما هو ذاك الذي يزرع الضوء بقدر استطاعته، يخطئ فيتعلم، يعرف الخطأ فيتجنبه ويعمل وفقا لما يمليه عليه ضميره نحو بناء مجتمعه، باختصار هو إنسان بامتياز! فما فائدة التنظيرات إن لم تنسحب على القول والعمل؟ فلا فرق أبدا بين ضمير ذلك المزيف وممارساته الخاوية وتفكير ذلك الفرد البسيط الذي لا يتجاوز قوت يومه أو فوز فريقه أو التغني بقبيلته. إن القراءة التي لا تغرس قيما أو تفتح في العقل منفذا أو تزجي سلوكا بناء أو تعزز خيرا أو تدفع جهلا، هي بلا شك اجترار عقيم لا يمكنها إلا إيجاد «صفاقة» مزعجة و «مصفق» فاشل.