اضطرت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «CIA» إلى سحب أكبر جاسوس لها في باكستان، بعدما عمل متخفيا لفترة طويلة، خوفا على حياته، بعد افتضاح أمره، وظلت هوية رئيس محطة الوكالة الأمريكية، وهو أكبر مسؤول استخباراتي أمريكي في باكستان، سرية طوال فترة عمله، إلى أن تم الكشف عنها أخيرا في قضية أقامها رجل باكستاني يطالب بتعويض قدره 500 مليون دولار، لمقتل ابنه وشقيقه في غارة جوية شنتها طائرة أمريكية دون طيار. ظهر اسم كبير جواسيس وكالة الاستخبارات المركزية في الدولة الآسيوية، ضمن تقارير وسائل الإعلام المحلية التي تناولت تلك القضية، بعدما أفاد الرجل بأن الغارة التي استهدفت منزله أواخر العام الماضي، نفذتها طائرة دون طيار موجهة بواسطة الاستخبارات الأمريكية، ورفض متحدث باسم وكالة الاستخبارات الكشف عن أي تفاصيل تتعلق بسحب كبير جواسيس الوكالة من باكستان، إلا أنه قال بشكل عام إن حماية أفراد «CIA» تتصدر قائمة أولويات الوكالة.. ويتولى رئيس المحطة الإشراف على جميع العمليات الاستخباراتية في باكستان، بما في ذلك إدارة عمليات الطائرات دون طيار، بالإضافة إلى التنسيق مع مسؤولي الاستخبارات الباكستانيين. وفي خضم الاختراقات الأمنية المتتالية والاتهامات بالتقصير من قبل الجمهوريين، وبالإرباك من قبل الإعلاميين، وضعف التصدي للإرهاب، والأخطاء الأمنية التي سمحت لشاب نيجيري مسلم أن يقترب من تفجير طائرة أمريكية متجهة إلى مدينة ديترويت في ديسمبر من العام الماضي، شهدت وكالة الاستخبارات الأمريكية نكسة أخرى لم يسبق لها مثيل في تاريخها، ومنذ عقود عندما فجر الأردني خليل أبو همام البلوي نفسه ليقتل سبعة من ضباط ومنتسبي «CIA» في أفغانستان، في مطلع هذا العام، ومن قبل ذلك حادثة مقتل العديد من الجنود الأمريكيين في أكبر قاعدة. وكان نائب رئيس غرفة الاستخبارات العسكرية لقوات الأطلسي في أفغانستان، الجنرال الأمريكي مايكل فلين، قد أصدر تقريرا وصف فيه العمليات العسكرية والاستخباراتية الجارية في أفغانستان بأنها لم تحقق إلا الشيء القليل من الأهداف النهائية لها، وذلك خلال الأعوام الأخيرة التي خاضت خلالها القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي، حروبا شرسة مع حركة طالبان وشبكة القاعدة، وانتقد التقرير بشدة دور الاستخبارات، مشيرا إلى المستوى المتدني من الإعداد لعملاء هذا الجهاز، ومشيرا إلى قلة درايتهم بخصائص الشعب الأفغاني الدينية والاجتماعية، والحالة الاقتصادية المتردية والفساد المستشري داخل هيئات السلطة في أفغانستان. وهكذا، بعد تسعة أعوام من الحرب في أفغانستان، تثبت أجهزة الاستخبارات الأمريكية للجميع أنها على هامش الاستراتيجية الأمريكية الشاملة في حربها ضد ما يسمى بالإرهاب العالمي، وللبرهنة على وجهة نظر الجنرال فلين، يأتي ذكر همام خليل البلوي، وهو طبيب أردني معروف بكتابات مقالات تحريضية على المواقع الجهادية باسمه المستعار، أبو دجانة الخراساني، استطاع أن يدخل إحدى الوكالات الرئيسية في قاعدة العمليات الأمامية في ولاية خوست بأفغانستان دون تفتيش، على أساس أنه يحمل معلومات مهمة عن تنظيم القاعدة، ما دفع أحد مسؤولي قيادة وكالة الاستخبارات في القاعدة إلى حضور اللقاء، فقتل البلوي سبعة من عملاء السي أي إيه، من بينهم مدير محطة المخابرات الأمريكية في أفغانستان، كما سقط الكثير من الجرحى من العملاء، بما في ذلك الرقم الثاني في الوكالة المركزية الأمريكية في أفغانستان. ويجمع الخبراء على أن الأردني خليل أبو همام البلوي هو أول «قاعدي» استطاع التسلل إلى قاعدة أمريكية استخباراتية في أفغانستان، وتصفية مجموعة من كوادرها المطلعة عن كثب على نشاطات القاعدة وطالبان. وكانت كارثة بكل المقاييس واجهتها وكالة المخابرات الأمريكية، التي وجدت صعوبات جمة في اختراق حركة طالبان وتنظيم القاعدة، كما عنونت بذلك العديد من افتتاحيات الصحافة الغربية، مثل: طالبان.. مفجر حطام وكالة المخابرات المركزية في الحرب الغامضة، أو: القتل واستراتيجية الصخرة الأفغانية .