ليس واجب المثقف أن يقف ليبرر أخطاء الناس وإشكالياتهم.. ولكن العصر الحديث قدم «المثقف» النموذجي على أنه «كاتب الناس» الذي يدافع عن قضاياهم ويخوض من أجل حرياتهم وكراماتهم ودعم حقهم في العيش بطيب وهناء متسلحا بالوعي والمعرفة. أي باختصار كاتب الناس.. الذي يتحدث داخل ناسه ويكون صوتهم المبحوح. لكن الظاهرة العربية أنتجت مجموعة مختلفة من الكتاب الذين كان يعرفهم البلاط السلطاني القديم.. مثقفون وكتاب للكتابة ضد الناس، ضد خيارهم وضد قراراتهم.. وفي الوقت الذي يحس فيه ذلك المثقف والكاتب بأن الناس يحتاجون إلى الحرية والحق والوعي، يتحدث صاحبنا عنهم ويكون وصيا على مشاريعهم ضدهم وضد اهتماماتهم. وهذه الظاهرة هي ما أسماها بعض الكتاب ب «النخبة ضد الأمة» فهي المحنة العربية الحديثة كما يقول برهان غليون. المثقف والمفكر الذكي والنموذجي هو الذي يعيش ضمن خيارات الناس وفي كنفهم لا من يعلو فوقهم فيخاطبهم من أعلى أو يأمرهم ويعلمهم كما يفعل الجنرالات!. فحتى الأديان والاعتقادات لا يصح فيها الوكالة والوصاية والفرض والإكراه فالله يقول «وما أنت عليهم بوكيل»، «لست عليهم بمسيطر»، ويقول عن الإكراه «لا إكراه في الدين». متى ما تحول المثقف والكاتب إلى الإملاء على الناس والوقوف ضدهم وتبرير خرق حرياتهم فإن تلك الثقافة والكتابة تكون «وكالة» ثقافية ودينية يكره فيها المثقف أو الكاتب أناسه على اتباع أوامره وتنفيذ خططه وتحطيم أعدائه. وأما العلم والمعرفة والوعي فهي ضحايا تلك الأثرة والطمع «الثقافي» الذي حول هذه الكتابة والثقافة إلى وقوف وتحد لخيار الناس ورأيهم وعاداتهم. ليس واجب المثقف تبرير عادات الناس وتصويبها، بل فقط إتاحة الحرية لها والوقوف مع حقها في الوجود والعيش الكريم. ولكل مثقف وكاتب التحفظ على ما يشاء ونقد ما يريد، ولكن دون أن يحرم «المجتمع» من رأيه وحقه وقراره وخياره الديني.