في مواجهة مشكلة العنوسة التي بدأت تنشب أظفارها في المجتمع السعودي، يحاول المختصون في العلوم الدينية والاجتماعية تتبع الأسباب ومعالجتها للوصول إلى حل ملائم يحد من تفاقم الأزمة التي تكاد تعصف بنسبة كبيرة من الفتيات السعوديات بعد أن بلغن من العمر مرحلة تتضاءل فيها فرصة العثور على زوج مناسب، لا سيما أن الأرقام التي تظهرها الدراسات بلغت مستوى مخيفا، إذ يشير الدكتور علي الزهراني- من الجامعة الإسلامية- في دراسة أجراها أخيرا إلى أن نسبة العانسات قفزت من 25 % إلى 60 % خلال أعوام معدودة. ومن الأسباب التي أدت إلى هذه الأرقام المفزعة- كما يرى المختصون- أن معظم الشباب أصبحوا عازفين عن الزواج أمام الاشتراطات المهولة التي يبالغ بعض أولياء الأمور في فرضها على من يتقدم لخطبة بناتهم، ومن بينها المرتب العالي والوظيفة المستقرة والمهر الفاحش (100 ألف ريال أحيانا)، وهي شروط لا طاقة لشباب اليوم بتحقيقها كما هو معروف، والنتيجة أن البنات يمكثن في بيوت آبائهن حتى يبلغن سنا لا تطلب فيه إحداهن من شاب في مثل عمرها. وقياسا على هذه النتيجة، يتوقع المختصون أن تنحصر خيارات الفتيات على الرجال المتزوجين المقتدرين، وهو ما يميل إليه أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض الشيخ الدكتور صالح بن غانم السدلان، الذي يرى أن التعدد هو الحل المثالي لهذه المشكلة «فآية التعدد المعروفة اشترطت على الرجل العدل بين نسائه والقدرة على الإنفاق عليهن، ومتى توافرت هذه الإمكانيات شرع للرجل أن يتخذ زوجتين أو ثلاثا أو أربعا، وفق ما تتيحه قدرته المالية والجسدية». وحتى لا يترك الأمر مفتوحا أمام أي راغب في التعدد لأسباب لا تكون معقولة، يؤكد الداعية الإسلامي المعروف الشيخ الدكتور سعد بن عبدالله البريك، على أهمية الاستفسار من الخاطب عن غايته في الزواج من امرأة ثانية أو ثالثة أو رابعة «فهذا سؤال ملح والإجابة عنه ضرورية ويتوقف عليها السعادة أو الشقاء في الحياة الزوجية، فهل زوجته الأولى لم تستطع القيام بواجباتها وحقوقه مثلا، كأن تكون مريضة أو غير ذلك، فيكون البديل التعدد لا الطلاق؟ أم أن غايته مجرد نزوة استوحى فكرتها من حديث الآخرين في مجلس ما أو مناسبة معينة فأصابته عدوى التقليد ثم ذهب يبحث عن امرأة ثانية». وفي تحليله لعوامل فشل الزيجات التعددية في كثير من حالاتها، يرى البريك أن «بعض الرجال يتجهون إلى التعدد لمجرد التغيير دون أن يضمروا النية الصالحة التي هي من أهم أسباب التوفيق، فالزواج حاجة ورغبة ومعاناة، لا مجرد نزوة وقضاء وطر، فمن كانت نيته العفاف سيكون سعيدا بإذن الله؛ لأن الله وعد بالعون». ويشدد المشرف العام على «موقع زواج» خالد الهميش، على ضرورة الالتزام بالشروط الشرعية التي أقرها الله سبحانه للراغبين في التعدد حتى تتحقق مقاصد الشرع «فالتعدد حل اجتماعي وديني ملائم جدا، وهو ما يقتضيه العقل والنقل ومصلحة الفرد والجماعة». ومن منطلق هذه المصلحة، يحض الهميش الزوجة التي قرر زوجها الزواج بأخرى، على أن تقبل بنصيبها وأن تسلم أمرها وترضى بما قسم الله لها «فهو خير لها من الطلاق، وعليها أن تفكر في أختها التي ربما تكون أرملة أو مطلقة أو ذات مرض تبحث عن الستر والكفاف». ثم يخاطب الهميش الفتاة التي تتردد في الزواج من رجل متزوج «المرأة لا يمكن لها أن تستغني عن الرجل مهما بلغت من المراتب الإدارية أو المراكز الاجتماعية أو المستويات الثقافية أو حتى المالية، ولا أحد يعلم يقينا أين يكتب الله له الخير، فلربما فتح سبحانه للأولى والثانية بابا واسعا من السعادة والخير». ولا ينكر الهميش أن الزوجتين قد تكرهان الجمع بينهما، لكنه يستدل بقوله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا}. ويحذر الهميش الفتيات وأولياء الأمور من رد الرجل المتدين الخلوق، مشيرا إلى باب الفتنة الذي ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة وفساد كبير»، فلم يفرق بين المتزوج وغير المتزوج، والمهم الدين والأمانة.