فكرة الظلال مربكة، الكل يُجمع على أن الظل بلا روح وبلا عينين ولا حتى هو بمبصر، وبأنه اللاشيء الذي نحتار في تسميته، ويقولون أيضا: إنه الجبان التابع الطفيلي المستقر دائما على الأرض والمختبئ وراء الأشياء والخائف حتى من حلمه.. هو رفيق المستوحدين والانطوائيين والشعراء. يشبهنا حين نشبه أنفسنا، فيضاعف حجم أحزاننا والملامح المفترضة لشيخوختنا، ويبقى الفرق بيننا أنه يخاف من الفصول التي تستولده، ونحن لا نخاف، تربكه حركة الهواء وتقاطع أشعة الشمس بين الزوايا والسماء. ذلك الظل الذي نهمله دائما متجنبين مزاجيته متوهمين غزارة صمته، يبدو جالسا كحياة أخرى، لا ينبث ببنت شفة، ينصت جيدا أو يصمت جيدا، ولا يقاطعنا نحن الأم التي تثرثر فوقه، فيركن في الطابق السفلي ليتسنى له رؤية شاملة لكل ما يعلوه. هو عاشق للجميع ويغار إن لم نقل على صاحبه، فعلى الجميع. تقلقه فكرة أنه ابتدأ على أنه الأفضل وعليه أن يبقى هكذا، الأفضل أبدا، في لهو وتقاعس وغرور من هو أفضل منه. ويقلقه أنه ومن بين كل الكائنات لا يخرقه حتى الضوء ولا تعبث به ذرات الهواء. الظل هو الجندي المجهول الذي يسابقنا ليضع نفسه بدلا منا في مكان الخطر، الرصاصة الأولى في كتفه والأخيرة على الدرب المؤدي الى إسفلته، هو أسمر وبشوش وبلا هيئة وفارغ حتى الخفة بحيث يمكن للمرء أن يخلق له أي روح، وأن يضع له أي رأس أراد تخيله، أي وجه اشتاقه من الزمن العابر، وأن يلبسه عباءة العمر الذي يراه مناسبا، وأن يسميه بطلا أو قاطع طرق.. هو بالأبيض والأسود جاهز دوما لممارسة طقوس الدفن. الكل يجمع على أن صلاحية الظل باتت منتهية والتعفن آت لا محالة، وأن عالم الظلال هذا سيكنس ما إن تهب رياح الخماسين، وتنظف معها علب الليل وتهدم مناجم الحواس، وسيمحى ما إن يستيقظ الغرباء من رقادهم العميق! وحين نربح نحن النساء حظا سنترك وراءنا ظلالنا في الأسرة وعند عتبات المطابخ وفي أسواق النخاسة، ونذرف عليها دموعا أشد عدائية من ضحكات المنفصمين. كل الكنائس والبحار وتجار الفصول وغزاة الهواء يجمعون على ما تلا ذكره، وأنا أؤمن بظله هو، ظله الذي مارى شكلي فصرنا واحدا لن يفرقنا إلا ما ارتكبنا من التسرع وقلة الروية في الأيام الأولى من شغفنا، الأيام الخطرة الواهية، حيث إننا لا نتنبه إلا لأحلام سيسارع الوقت إلى محوها بالكامل. لوركا سبيتي حيدر