في أحيان كثيرة نفاجأ أن هناك شبكات ومافيات تدير عمليات مشبوهة قائمة في أساسها على الرشوة، وتمرير المعاملات المخالفة للنظام، وأحيانا تمرر معاملات نظامية، لكن هذه المعاملات رغم نظاميتها تحتاج إلى وقت طويل حتى تنجز. المافيات التي تعمل في هذا المجال ليست بالخافية، بل ظاهرة للعيان وليس سرا أن يكون فلان أو فلان خبيرا في تخليص المعاملات وإنهاء الإجراءات، وتمرير المخالفات، لكن اللافت أن هؤلاء لا يعترض أحد سبيلهم، وقد يعود ذلك إلى سلبية المجتمع في التبليغ عن أفراد مافيات الفساد، وذلك لأن المجتمع ما زال ينظر إلى الإبلاغ عن الفاسدين على أنه أحد أشكال الوشاية، فيما أن الوعي بأن ذلك التصرف ليس وشاية، بل إرشاد وتعاون مع الأجهزة الرسمية من شأنه التقليل من أخطار هذه الممارسات، التي تضيع تساوي الفرص بين أفراد المجتمع، فمن يكون قادرا على دفع الرشوة سيحصل على مراده وإن كان مخالفا للأنظمة. هذه المافيات التي تنشط في الدوائر الخدمية باتت ظاهرة ملموسة، فالدوائر التي يسمح فيها بأن يراجع معقبون نيابة عن المراجعين أنفسهم يحدث فيها الأعاجيب، وهذه الأعاجيب تتمثل في خرق الأنظمة، وتصدر المعاملات المخالفة على أنها صحيحة، وتمر هذه المعاملات ولا يستطيع أحد الاعتراض، وعند انكشاف شيء بسبب وشاية أو تدقيق الجهات الرقابية ترمى المسؤولية على أنه خطأ غير متعمد، وإن ثبت أن الخطأ متعمد في الغالب لا يعاقب الموظف الفاسد لأن الشبكة التي تقف وراءه قادرة على إنقاذه. شبكات الفساد طالت قطاعات التوظيف الحكومية، فتسمع من بعض الذين توظفوا حديثا أنهم دفعوا أموالا مقابل الحصول على الوظيفة، وأن تجاوز الشروط والمتطلبات يحتاج إلى أتعاب تليها أتعاب إلى أن يتم التوظيف، وهناك شبكات أخرى تسهل الحصول على أوراق توهم وزارة العمل بأن هناك مشروعا وطنيا واعدا، والحقيقة أن هذه الأوراق الهدف منها الحصول على تأشيرات أكثر، وذلك لبيعها من قبل تجار التأشيرات، ويبدو أن هناك الكثير من الشبكات والمافيات متنوعة النشاط التي تنخر في مختلف القطاعات العامة، وكأن هذه البلاد مشروع إثراء بأي وسيلة.