يشكل شهر رمضان إلى جانب قيمه الروحية، فرصة لإعادة الحياة للكثير من العادات القديمة التي تلاشت وأصبحت مجرد ذكريات تحكى في جلسات كبار السن، خاصة فيما يتعلق بالأطعمة والاستعدادات لاستقبال رمضان وتوديعه. السيدة أم حمدان، لا تزال تفضل السكن في بيتها الطيني القديم جدا، رغم مظاهر العمران والتمدن التي تحيط بها من كل صوب «رغم حرارة الجو في الخارج فالداخل إلى بيتي لا يشعر بشيء منها رغم عدم وجود أجهزة تكييف، وهذه ميزة البيوت الطينية التي تحتفظ بالبرودة». وذكرت أم حمدان أن شهر رمضان يعد بالفعل فرصة لإحياء العديد من العادات القديمة التي كادت تندثر خاصة فيما يتعلق بكيفية استقبال الشهر وإعداد وجباته وتجمعات الجيران على موائد جماعية، وغيرها من العادات التي تعكس ترابط الناس وتوادهم وتراحمهم. وعن كيفية استقبال شهر رمضان قديما «لم يكن قبل 60 عاما وجود لوسائل الاتصال من تليفزيون وأجهزة راديو وهواتف؛ لذا فقد كان الرجال يجتمعون في ديوانية الشيخ، حيث يوجد لديه الراديو الوحيد للاستماع إلى ما يتعلق بثبوت شهر رمضان، وعندما يحدث ذلك يتطوع أحد رجال الحي بالمرور على المنازل وطرق أبوابها وإخبار سكانها بثبوت الرؤية ليتهيؤوا لاستقبال الشهر». وأشارت إلى أن سيدات القرية كن يجتمعن معا ليحتفلن بهذا الشهر بعد أن أكملن استعداداتهن اللازمة لاستقباله، مثل إعداد الوجبات الشعبية الرائجة وموادها، مثل الجريش والمرقوق والفريك والأقط «اللبن المجفف» والزبدة والسمن. وعن كيفية الإفطار ذكرت أم حمدان أن سيدات القرية وأطفالها كانوا يجتمعون على موائد رمضانية جماعية، حيث تعد كل سيدة ما تقدر عليه من طعام وتجلبه، بشرط أن تكون وجبة واحدة فقط من دون إسراف، أما الرجال والشباب فيجتمعون في مكان واحد أيضا لتناول الطعام، وفي ذلك تقوية لأواصر العلاقة بينهم. وأشارت إلى أن السيدات كن يتفنن في إعداد الوجبات الحلوة مثل الشراك المفتوت بالسمن والسكر الذي هو بديل عن العسل المرتفع الثمن، وهناك حلاوة الدقيق حيث يخلط الدقيق وحليب الغنم والسكر ويطبخ على النار حتى ينضج وهو شبيه بالمهلبية الآن. أما السهرات فذكرت أم حمدان أنها كانت أيضا جماعية، حيث يجتمعن على بعض الأطباق الخفيفة والشاي والقهوة والأعشاب، ويلعب الأطفال ألعابا مثل «السبع حجار» و«الاستغماية» وينشدون الأهازيج الرمضانية وهم يتجولون على البيوت ويجمعون ما تيسر من الأطعمة أو النقود. وبحلول التاسعة مساء ينفض السامر، حيث يخلد الجميع إلى النوم إلى أن يستيقظوا على صوت «المسحراتي» ليتناولوا السحور ويؤدوا صلاة الفجر. وذكرت أن بعض سكان القرية كان يذهب إلى حقله أو عمله مباشرة بعد الصلاة، وتمارس النسوة بعض مهامهن المنزلية .