العمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي، صلى الله عليه وسلم، لكن عددا من الناس، يرى نفسه مهددا بالحرمان من هذا الأجر العظيم، إما لأنه أنهى إجازته السنوية أو لعدم استطاعته أن يقدم على إجازة في هذا الوقت، ولذلك يسارع بأخذ الإجازة الاضطرارية، ثم يذهب إلى مكةالمكرمة وهو مرتاح لما فعل. غير أن هذه الراحة، تحتاج منه إلى شيء من التدقيق، فحصوله على الإجازة الاضطرارية لأداء أمر مستحب، قد تدخله في حرج شرعي، ذلك أن أخذه إجازة اضطرارية يمكن أن يكون من التحايل على النظام، واستغلال ثغراته، بل ربما كان في هذا الأمر ما ينزل ضررا بغيره، حتى لو لم يكن ذلك باديا له. عن هذه القضية، يقول الشيخ صالح بن غانم السدلان عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد إن العمرة في رمضان لها فضل كبير، وكما ورد في الحديث الصحيح: «عمرة في رمضان تعدل حجة»، ثم في بقية أيام السنة يشرع فعل العمرة والإكثار منها. ويضيف: «غير أنه لا ينبغي تكرارها في أيام متقاربة جدا، فهذا أمر غير مشروع، وإذا كان للعمرة في رمضان هذا الفضل فإن ذلك لا يعني أن تكون كل عام كما يفعل البعض»، مشيرا إلى أن «كثيرا من الناس في هذا الزمان صاروا يهجرون مساجدهم وقراهم ومدنهم ويزدحمون في البيت الحرام، فيترتب على ذلك مضار وأمور كثيرة نتيجة الازدحام. ويقول الشيخ السدلان: «لا شك أن العمرة لو لم تترتب عليها هذه الأمور فإنها تبقى على أصل المشروعية وهو فضلها، ولكن ما دام يترتب عليها زحام ومضار وأمور كثيرة من تضييع الأعمال وتضييع الأولاد وتضييع الواجبات، فينبغي للمسلم أن ينظر في الأمر الذي يتفق مع الأحكام الشرعية وألا يبالغ فيها». كما ينبغي ألا يؤدي الحرص على عمرة رمضان للإخلال بالواجبات، فلا يجوز لأئمة المساجد أو المؤذنين مثلا أن يتركوا مهامهم لتكرار العمرة، وكذلك الأمر للذين يتركون أعمالهم ويأخذون إجازات اضطرارية بحجة العمرة وأيضا الذين لا يجدون سكنا يؤويهم، وهو ما ينطبق أيضا على الذين يدفعون أجورا باهظة من أجل أن يبقوا في مكة أياما من رمضان، فهذا كله ينبغي النظر فيه وأن يسعى الإنسان إلى ما هو أقرب للسنة لا بأس ما دام ليس إماما ولا مؤذنا. من جهة أخرى، يؤكد الدكتور سعود الفنيسان عميد كلية الشريعة سابقا أن من حق الموظف أن يأخذ إجازته الاضطرارية متى ما رأى أنه بحاجة إليها، ومادام المسؤول عنه قد أجاز له ذلك، مستثنيا من ذلك الأئمة والمؤذنين خاصة في رمضان، حيث يكون حضورهم لأعمالهم ضروريا، وقال: «تقدير مدى حاجة الشخص إلى الإجازة الاضطرارية يعود إليه نفسه وإلى مديره في العمل، فإن سمح له أن يغادر تحت ذات البند فهو عائد إليه، لأن هذه الإجازات هي من حق الموظف وله كل الحرية في أخذها متى شاء، لكن بالتأكيد لا يجوز له الكذب على مديره أو الاحتيال عليه». وبشأن الحصول على الإجازة الاضطرارية لأجل أداء العمرة في رمضان، أكد الفنيسان أن الأمر واسع، فهذا الموظف يبحث عن طريقة لكي يستطيع أداء العمرة، وتحصيل أجرها العظيم، خاصة في رمضان ولا يمكن أن نحجر عليه. وحول بعض الأئمة والمؤذنين الذين ينيبون غيرهم ليتسنى لهم أخذ العمرة في رمضان أوضح الدكتور الفنيسان أن مثل هذا العمل مخالف للنظام الخاص بالأئمة والمؤذنين، خاصة أن الوزارة قد أكدت عليهم بعدم التهاون أو الإنابة في رمضان، لذلك ينبغي لهم ألا يتركوا مساجدهم لأجل أن يؤدوا العمرة،لأن ذلك يعد تفريطا منهم، وتهاونا في أداء الأمانة الموكلة إليهم، والنبي، صلى الله عليه وسلم قال: «إذا عمل أحدكم عملا فليتقنه». وفي الموضوع نفسه، قال الشيخ صالح العصيمي عضو جمعية الفقه إن مسألة الحصول على الإجازة الاضطرارية لأجل العمرة في رمضان، يعود تقديرها للموظف ورئيسه طالما أن النظام يسمح له بهذا الحق، لكن عليه ألا يكذب ويقول: «عندي ظرف عائلي أو عندي مريض»، لكن عليه أن يقول للمدير: «لدي سفر لمكة وأحتاج إلى أن أكسب فضل العمرة لأن الرسول، صلى الله عليه وسلم، يقول عمرة في رمضان تعدل حجة معي فأريد أن أكسب هذا الأجر العظيم». وخالف الدكتور عبدالعزيز بن فوزان الفوزان هذا الرأي، مؤكدا أن أخذ الإجازة الاضطرارية لأجل العمرة في رمضان غير جائز قطعا، مبينا أن الذهاب إلى العمرة مستحب وليس ضروريا لا في رمضان ولا في غيره، فأخذ إجازة اضطرارية من أجل العمرة وترك العمل لا يجوز من وجهين؛ الأول: أن هذا كذب واحتيال على النظام لأنه ليس هناك ضرورة. والثاني أن في ذلك تركا للواجب وهو القيام بالعمل الذي تعهد الموظف بالقيام به ويأخذ مقابله راتبا شهريا. وقال الفوزان: «الواجب التوبة إلى الله وترك هذا الإهمال والاحتيال، والعمرة في رمضان سنة والقيام بالعمل واجب فكيف يترك واجبا من أجل أداء سنة، فالأولى أن يهتم الإنسان بأداء الواجب، وألا يختلق الأعذار لأجل تقديمها» .