صادق مجلس الشيوخ الأمريكي، مطلع أغسطس الجاري، على تعيين الخبيرة القانونية إيلينا كاجان في منصب قاضية في المحكمة الدستورية العليا بأغلبية 63 صوتا مقابل 37 صوتا، في خطوة تاريخية تمنح النساء ثلث مقاعد المحكمة التسعة للمرة الأولى. وتعد كاجان، 50 عاما، ثاني سيدة يرشحها الرئيس باراك أوباما ويصادق على تعيينها مجلس الشيوخ. ورحب أوباما بنتيجة التصويت، مشيرا إلى أن كاجان ستكون «عضوا بارزا» في المحكمة بما لديها من فهم صائب للدستور الأمريكي «طوال حياتها المهنية، اكتسبت احترام وتقدير الجميع من مختلف الانتماءات السياسية». ظلت المحكمة التي تتكون من تسعة قضاة يبقون في المنصب مدى الحياة، وينظرون القضايا الاجتماعية ذات الحساسية ولهم القول الفصل في جميع المسائل المتعلقة بالدستور الأمريكي وتفسيره، خالية من العنصر النسائي طوال 200 عام، قبل أن تنضم إليها أول قاضية، ساندرا داي أوكونور، عام 1981، وتقاعدت عام 2006. وجرت عملية المصادقة على تعيين كاجان بدعم من بعض النواب الجمهوريين. وكانت كاجان، أول امرأة تتولى منصب عميدة كلية الحقوق بجامعة هارفارد، كما تولت منصب كبيرة المحامين بإدارة أوباما، علاوة على توليها مناصب أخرى عامة وخاصة. وستحل كاجان محل القاضي جون بول ستيفين، 90 عاما، الذي أعلن عن تقاعده قبل شهرين بعد أن شغل هذا المنصب لمدة 35 عاما. ورشح أوباما مع كاجان ثلاثة أشخاص آخرين لاعتلاء ذلك المنصب، هم دايان وود وميريك جارلاند وسيدني توماس. ولكن الفرصة كانت واضحة أمام كاجان لدخول المحكمة، علما بأنها لم تتول أي منصب قضائي من قبل، ولكنها تحترف مهنة المحاماة منذ تخرجها. وأصبحت بذلك أصغر امرأة تشغل منصب قاضية في هذه المحكمة. وكانت صحف الإثارة في نيويورك تعارض اختيار الرئيس أوباما والحزب الديمقراطي لكاجان. وتحدث بعضها بصراحة تامة عن هذا الأمر «عندما ينظر أوباما إلى وجهه في المرآة، يرى كاجان»، وهذا يعني أنهما من الأقليات: هو أسود وهي يهودية. وتزامل أوباما وكاجان مرتين، وذلك عندما كانا طالبين في كلية القانون بجامعة هارفارد، وعندما كانا أستاذين في كلية القانون بجامعة شيكاغو «كانا يتهامسان في الكليتين»، حسب تعبير الصحفي مايكل بارون. وعندما أعلن اختيار كاجان، وصفها أوباما بأنها «صديقتي». وهي المرة الأولى منذ 40 عاما التي يختار فيها رئيس أمريكي مرشحا أكاديميا لدخول المحكمة العليا، وليس عضوا في الهيئة القضائية. والطريف أن اهتمام أوباما الملحوظ بالمحامية القصيرة أدى لانطلاق الإشاعات على بعض مواقع الإنترنت، بأن الاثنين كانت تربطهما علاقات غرامية خلال أعوام هارفارد وشيكاغو، وأن كاجان كانت تتمنى لو أن أوباما تزوجها بدلا من ميشيل. وأثارت هذه التعليقات مخاوف أوباما من أن تتطور إلى ما لا تحمد عقباه، وسارع البيت الأبيض إلى نفيها في بيان عاجل. وتميز مشوار كاجان الدراسي بالجدية والمثابرة، حيث نالت ماجستير القانون من جامعة أوكسفورد عام 1983، ثم انتقلت إلى هارفارد ونالت الدكتوراه في 1986. وهناك كانت رئيسة تحرير الدورية القانونية «لو ريفيو». وبعدها بأعوام قليلة، صار أوباما الذي يصغرها بسنة واحدة، رئيسا لتحرير الدورية نفسها. وكانت أول امرأة تفعل ذلك، وكان هو أول أسود يفعل ذلك. وعادت إلى العمل الأكاديمي عام 1991، في جامعة شيكاغو، حيث قضت خمسة أعوام. وفي العام نفسه أكمل أوباما دراسة القانون في جامعة هارفارد وذهب مباشرة إلى كلية القانون في الجامعة نفسها. وقضى أكثر من عشرة أعوام. وافترق الاثنان عام 1996، عندما تركت كاجان الجامعة لتعمل مستشارة قانونية في البيت الأبيض في عهد الرئيس بيل كلينتون. وبقي أوباما أستاذا في جامعة شيكاغو، وناشطا في خدمة السود، ومتحمسا للعمل السياسي. وفي سنة 2000، مع مجيء الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض، عادت كاجان إلى العمل الأكاديمي في كلية القانون بجامعة هارفارد. وبعد عامين اختيرت أول امرأة عميدة للكلية. وفي عام 2008، عندما فاز أوباما بالرئاسة الأمريكية، اختارها مدعية عامة قبل أن يساهم في تعيينها في منصب قاضٍ في المحكمة العليا لتكون بذلك خامس امرأة في تاريخ أمريكا تعتلي هذا المنصب .