شكا الدكتور عبدالله محمد فدعق، تجاهل المؤسسات الرسمية لدعوة بعض الرموز الدينية المؤهلة لحضور المؤتمرات والمجالس الرسمية التي تعقد في السعودية. وتحدث خلال حوار مع «شمس» عن رؤيته العديد من القضايا، التي تتعلق بالصوفية وأتباعها وعلاقتها بالمذاهب الإسلامية وموقفها من قضايا الحياة. كما تحدث عن «فقه التوقع»، وقال إنه أصبح ضرورة لا غنى عنها للمسلمين ليتمكنوا من مواكبة قضايا عصرهم. ولام الشيخ فدعق على علماء من مذاهب واتجاهات أخرى دعاهم لمجلسه لتأكيد التواصل، دون أن يردوا على دعوته بالمثل. كما تحدث عن علاقته ببعض الجهات الرسمية وعبر عن دهشته من مسؤول التقاه، ثم دون في مفكرته الرسمية أن لقاءهما قد تم، بغرض الإثبات لا أكثر.. وفيما يلي نص الحوار.. بالنسبة إلى مسمى الصوفية، أنت تقول إن هذا المسمى مستورد وجديد.. كيف تفسر ذلك؟ ما تعلمته من أسلافي وما تربيت عليه على يد علماء المسجد الحرام يقول إنه لا توجد مدرسة صوفية، فهذا المصطلح جديد علينا، ولم يتداول إلا في أيامنا الأخيرة، ولم يكن أحد من علماء مكة يستعمل هذه المفردة، لا أقول ذلك قدحا فيها أو تحرجا من الانتساب إليها، ومع هذا أؤكد أن الصوفية «السنية» تعني عند من يمارسها الذوق والورع والمراجعة، والورع يعني التوازن والمراجعة وعدم العصمة. هذه القيم المحمودة هناك من يريد تحويلها إلى مصطلح أو تهمة. هنا أقول إنه لا إشكالية في كوني صوفيا أو سلفيا وإنما الإشكال في التصنيف الجائر وحسابي في خانة تيار معين، وبعدها إلزامي بتسديد فواتير الآخرين، ولا مانع عندي من المحاسبة بعد تحرير المصطلحات. بعض الأفعال التي يقوم بها الصوفية ك«قيام الناس في الموالد» هل تعتبرها صحيحة أم لك قناعات أخرى؟ أنا لا أقول إن هذا الفعل غير صحيح، وإنما ينبغي على الإنسان أن يفكر قبل أن يفعل أي أمر، ففي مجالس السيرة نسأل الناس لماذا تقومون فإذا قالوا لأجل دخول النبي عليه الصلاة والسلام بجسده، فنقول لهم هذا غير صحيح لأن ذلك يعتبر إهانة وليس تكريما. هل يقوم الناس في مجلسك؟ القيام لا يعتبر علامة من علامات صحة قراءة السيرة النبوية، من يريد أن يقوم فليقم، ومن لا يريد القيام فله ذلك.. أما في مجلسي فلا أحد يقوم أبدا. أنت ترأس مجلسا اسمه «الروحة» ما فكرته؟ كلمة الروحة استعملت كاسم قديم للجلسات العلمية التي تقام بين العصر والمغرب، فبدلا من أن نقول جلسة علمية نستطيع القول مجلسا علميا أو مدرسة درس أو محاضرة، ونستطيع كذلك أن نسميها «روحة». وهذا المجلس له أكثر من 85 عاما أنشأه جدي وسار عليه والدي ثم أنا. استضفت بعض علماء ودعاة السعودية من المذاهب الأخرى في مجلس الروحة، من أبرز هؤلاء المشايخ؟ استضفت الشيخ عايض القرني والشيخ سلمان العودة من المدرسة السلفية، كذلك مفتي عمان من المدرسة الأباضية، كما استضفت علماء من الشيعة. لماذا تدعوهم إلى المجلس؟ السؤال الحقيقي هو: لماذا لا أدعوهم، الإشكالية عند أتباع المذاهب، بينما الرؤوس الكبيرة عاقلة، وأرجع وأقول قديما كانت الصلات بين المذاهب قوية جدا ومليئة بالحب، وحاليا انقطعت هذه الصلات فقررت أن أعيدها. لماذا انقطعت؟ لأن هناك فاصلا في العقول.. أنا لا أقوم بأمر مستجد، وكل ما أريده أن أعيد تلك الصلة مرة أخرى. ألم تتعرض بسبب ذلك لانتقادات من قبل مشايخ الصوفية وطلاب العلم؟ وجدت اعتراضات كثيرة من المدرستين، لكنني أؤكد أنني دعوت هؤلاء المشايخ بدافع محبة ولأجل التقريب في عقول الأتباع، والخطوة التي كنت أنتظرها تأخرت. ما هذه الخطوة؟ كنت أنتظر أن أدعى إلى مجالسهم كما دعوتهم إلى مجلسي، ليس لأجل الذهاب بعينه إنما حتى يرى الأتباع أن هناك زيارات متبادلة. في ظنك لماذا تأخرت الدعوة.. هل هو تهميش؟ لم تتأخر بعمد، ربما تكون الظروف. هل كان التجاهل على المستوى الشعبي فقط أم أن هناك تجاهلا أشمل؟ رابطة العالم الإسلامي أخيرا عقدت مؤتمرا دعت فيه علماء من أطراف العالم ولم نتلق أي دعوة، وأنا لا أحرص على تلبية الدعوة، لكني أقول: معيب جدا ألا نشاهد جميع الأطياف ممثلة رسميا. هل تجد نفسك أهلا لحضور هذه المؤتمرات؟ أنا لا أتحدث عن نفسي، إنما أقول: المؤهلون ممن يستحقون الدعوة ينبغي ألا يقصر في حقهم، وإن كان هذا التجاهل نوعا من التهميش فهذا خطر كبير، وقد أسميها غفلة، وقد تكون رواسب قديمة موجودة في عقول البعض. هل يدفعكم التجاهل لاستيلاد مناسبات خاصة بكم؟ الاحتفالات الرسمية لبلادنا معروفة، ولم يقطعنا أحد عن المناسبات الخاصة في بيوتنا ومجالسنا، ولكن التجاهل يدفعنا لتلبية دعوات المشاركة في مناسبات تقيمها دول أخرى، وأؤكد عندما أشارك في أي حفل خارج بلدي أذهب بصفتي سعوديا معتزا ببلدي وجنسيتي ونحن نهتم ونعتز بوطننا خارجيا ولكن الاعتزاز بنا محليا أمر منتظر، وأذكر أن أحد المسؤولين دعاني لمقابلة، واكتشفت أنه يريد إثبات اللقاء في أجندته وإطلاع ولاة الأمر عليه، وقد انتهى الأمر بخروجي من مكتبه برغم الوعود بالتواصل وإظهار حسن النوايا. أشرت في إحدى مقالاتك المنشورة إلى موضوع فقه التوقع.. ماذا تعني به؟ فقه التوقع هو الفقه الافتراضي، وأول من أنشأ هذا النوع من الفقه هم السادة الأحناف، وهو الفقه المستقبلي المبني على التوقع، وهذا النوع من الفقه نحتاج إليه الآن، فلماذا ننتظر حتى تأتي مسألة ما لننظر فيها؟ فكثير من المسائل الفقهية لم يفصل فيها حتى الآن، وفي كل سنة تتأجل للعام الذي يليه. من المؤهل ليفصل في مثل هذا النوع من الفتاوى؟ العلماء طبعا، ليس العلماء الشرعيون فقط إنما يشمل ذلك مختلف التخصصات، فأنا أسعى أن يكون عندنا نوع من الاجتهاد أسميه «الاجتهاد الجماعي» وليس الاجتهاد الشرعي، بمعنى أن الاجتهاد يتم من خلال الاقتصاديين والأطباء والإعلاميين والمحامين والشرعيين، وهذا كله يسمى «اجتهادا جماعيا». فلا يمكن أن يكون الشرعي هو الذي يفصل ويحل في كل هذه المسائل وحده. لكن البعض يعتبر مثل هذه الأمور «ترفا شرعيا» وهو مدعاة لإضاعة الوقت واستباق الأحداث؟ ما دام أن المستقبل مجهول فلماذا لا نتصالح معه؟ لماذا نفترض أن هذا المستقبل شر، فقد يكون خيرا وأتصالح معه. ومن تلك المسائل المستقبلية أن أهل النرويج في عام 2013م سيصومون رمضان 21 ساعة كل يوم، فلا بد أن نفكر من الآن ما الحل في صيام هؤلاء؟ كثيرون استغربوا مثل هذا فطالبوا بتدريس هذا الفقه في المدارس.. ما رأيك؟ كثير من العلماء يكرهون التوقع والافتراضات ويظن أنها جدلية، وأنا أقول: إن الحياة مقبلة على افتراضات، فلو كان هناك افتراض صحيح فلن نتعب كثيرا في بعض المسائل التي تستجد علينا. بماذا تعلق على ما يدور من حوار حول رؤية هلال رمضان وكيفية إثبات دخول الشهر وخروجه، خصوصا في رمضان والحج؟ مملكتنا السعودية واجهة، وأخشى أن نكون السبب في زعزعة الصدارة والوجاهة، إذ إن بعضنا لا يعطي العلم حقه وقدره، والاختلاف من الأمور المبهجة، وأتمنى أن تكون جلسات هيئة كبار العلماء علنية ويستفيد منها عامة الناس وخاصتهم، وتصل إلى الناس قناعات العلماء، فسياسة التكتيم خطيرة ومدعاة للتخرصات، ونحن في زمن الشفافية وفق ما أعلنه ولي الأمر، يحفظه الله، ولنا مع علم الفلك والفضاء إشكالية في بلدنا، ورفضنا لعلم الفلك باعتباره وسيلة لإثبات دخول الشهر يتنافى مع قبولنا به في تحديد مواعيد الصلاة، والكسوف والخسوف.. نحن نهاجم من ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، ولا بد في نظري من مهاجمة من ينكر ما هو معلوم من العلم بالضرورة، وإذا كان حديث البخاري ومسلم «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» مدعاة للخلاف فإن في البخاري ومسلم أيضا حديث «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب»، فهل المراد بالأمية وصف حالة كنا عليها، أم أنه وصف لا بد أن يلازمنا إلى قيام الساعة؟ ألا تغضبون من وصف بعض أعمالكم بالبدع؟ لا ألوم من يصف أعمالنا بالبدع، لأنه حكم بجهل ودون سؤال عن سبب العمل ومستنده انطلق من ظنون وأوهام، والله سبحانه وتعالى يقول: «إن الظن لا يغني من الحق شيئا». هل تقلقك توصيفات الآخرين لكم بالمبتدعة، أو المتصوفة؟ كنت في زمن مضى أقلق من مثل هذه المصطلحات، أما الآن فلا أنزعج لأن من يرميك بالبدعة سيجد من يرميه بتهمة أخرى، ومن يرميك بالشعوذة سيرمى من حيث لا يدري بأنه مفجر، فمن تطاول على إنسان بتهم لا واقع لها فإن الله سيبتليه وستنقلب التهمة عليه. ما سر تميز الصوفية باللباس «العمامة والجلباب» الأبيض؟ العمامة ليست رمزا للصوفية، العمامة مسألة متعلقة بالدين، يلبسها من ينتسب إلى مدرسة التزكية، ويلبسها السلفيون في الجزائر، إضافة إلى الشيعة في المنطقة الشرقية. فالعمامة ليس لها دخل بالتصوف، ولكن الناس إذا رأوا أحدا يلبس العمامة حكموا عليه بالتصوف. وفوق هذا وذاك لبسها النبي صلى الله عليه وسلم. إذا لم يتقيد أحد مشايخ الصوفية بهذا اللباس فهل يعد مخالفا؟ لا حرج أبدا، مشايخنا كانوا يدرسون الطلاب في الجامعة بالغترة وإذا كانوا في البيت لبسوا العمامة، فالإشكالية في الناس الذين يصنفون على هذا الأساس .