خمسة أيام تبقت على الشهر الفضيل، وباتت حمى المشتريات تجتاح المنازل، في وقت ازدادت المصروفات الأسرية، إلا أنها حتما ستتضاعف غدا مع بدء صرف رواتب شهر شعبان لموظفي الحكومة، بينما بكر منسوبو القطاع الخاص قبل أيام بتأمين حاجاتهم المنزلية من الطعام، عطفا على تسلم رواتبهم مبكرا مع مطلع الشهر الميلادي. وبينما امتلأت المراكز التجارية بالراغبين في التسوق، تحولت الأنظار إلى ما يسمى بالعروض، للظفر بأكبر كمية بأقل الأسعار، إلا أن حسابات الكثيرين من الأسر تتخطى حاجز المعقول إلى اللا معقول، حيث إن ما كثر عدده وقلت قيمته، يعكس معدل صرف أكبر. ولكن إذا كانت العروض الرمضانية حقيقية إلى الدرجة التي يمكن للأسر توفير الكثير من العوائد والمدخرات من مصاريف المنزل، فهل تنازلت المراكز التجارية بهذه السهولة عن غلتها لعيون الأسر؟، وأليس من المنطقي أن تلجأ الأسواق لتفريغ الكثير من البضائع في أسرع وقت، خصوصا أن رمضان يأتي قبل ثلاثة أشهر من نهاية العام الميلادي، مما ينعكس على صلاحية الكثير من المنتجات، خصوصا المواد الغذائية؟. وإذا كانت الجهات المختصة ترى أنها تفرض رقابة لمثل هذه العروض، فهل تفرض الرقابة نفسها على المنتجات المعروضة، التي لا يتبقى من صلاحيتها إلا أشهر معدودات، وترتبط بتوفر ظروف تخزينية معينة، مما يعرضها للتلف المبكر فور شرائها؟ ولماذا يرتبط ذهن المستهلك دائما بالعروض، وينسى الطريقة المثالية في الادخار، والصرف، الأمر الذي يجعله أشبه بمن يتابعون عصا السحرة؟. السعر الأرخص يستغل كثير من التجار إقبال الناس الكبير على شراء مستلزمات شهر رمضان المبارك، فيروجون الوهم من خلال التخفيضات الكبيرة التي تخدع أعين المشترين، الذين يمشطون الأسواق بحثا عن الأرخص، فتتراكم الكميات، وتنفض الجيوب مما حوته من دراهم معدودات، ليعود غالبية المتسوقين إلى إلقاء اللائمة في البذخ على ثلاثة عوامل «جشع التجار، سوء تخطيط الأسرة لمصاريفها الشهرية، ضعف الرقابة من قبل الجهات ذات العلاقة». كثير من المواطنين اعترفوا مبكرا: «التخفيضات التي أعلنوا عنها وتصل إلى 60 % مجرد خدعة، وعصا سحرة، ولكن أين الجهات المختصة في منع التلاعب بمصير المواطنين؟». لكن الجهات المختصة بدورها ترى أن الذهاب للسحرة خطيئة يتحملها الجهل، ولا تتحملها هي: «نراقب، ولكن المواطن يتحمل الوقوع في الفخ، لأننا مستعدون لتلقي الشكاوي، حول المخالفات». أين الرقابة؟ محمد الحسني أحد الزبائن في أحد المتاجر الكبرى شن هجوما على هذه المحال لأن أصحابها يعلنون عن التخفيضات ويوهمون الناس أن السعر كان أعلى والآن أقل، في حين أنه في الأصل لم يكن بتلك القيمة وإنما هم الذين يرفعون سعره حتى إذا وضعوا وأقروا التخفيضات كانت عندهم فرصة كبيرة للربح، بحيث إنهم لا يخفضون الكثير من السعر الأصلي للمنتج: «أتمنى من الهيئات الرقابية المسؤولة عن حماية المستهلك أن تكون أكثر صرامة تجاه أولئك الذين يخدعون المستهلك، ويوهمونه بالتخفيض». ويعترف بأن: «كثيرا من العائلات، تبالغ في الشراء بشكل يدفع التجار إلى الجشع لكسب المزيد من المال بشكل عاجل، لهذا لا بد من تدبير مصاريف الأسرة وشراء قدر الاحتياج فقط دون زيادة حتى لا نقع في الفخ». ويتهم سعيد المالكي بعض هذه المتاجر بالتلاعب في الأسعار، وإيهام الزبون بأنها تقوم بعمل تخفيضات كبرى تصل إلى 60 %، بينما في بعض الأحيان قد تصل الزيادة في الأسعار إلى القيمة نفسها: «أين الرقابة لمتابعة التخفيضات الكبرى والعروض الوهمية التي تطرحها المتاجر والمحال التجارية في مثل هذه المواسم، بعد أن أصبحت وسيلة جذب وإغراء للمواطن، وكان من الأحرى أن تتم التخفيضات بشكل فعلي لا بشكل وهمي تزامنا مع حرمة الشهر الكريم؟». مقارنة العامين ويعتقد فيصل العبدالله من الطائف أنه بادر بشراء جميع متطلبات شهر رمضان، مستفيدا من استقرار سعر السلع الرمضانية في موسم الهدوء الذي يسبق العاصفة: «دائما في كل عام تأخذنا موجة الغلاء معها فوضعت في حساباتي أن أكسر تلك القاعدة السنوية لأنجو منها واستطيع أن اكسب الرهان مع عائلتي التي أشارت إلي أن اتريث في الشراء قليلا، فالزيادة لا تعدو سوى محصلة قليلة بحسب فهمهم، فوضعتهم أمام الأمر الواقع بقيمة فاتورة مشتريات العام الماضي حين قمت بالشراء قبل يوم من دخول شهر رمضان وقيمة الشراء هذه الأيام، وكان الفارق بعيدا بما يقارب الألفي ريال». ويشير محمد الغامدي إلى أن وعي المستهلك بدا واضحا ويقظا لخدع الباعة: «ما المانع في المبادرة في شراء جميع مستلزمات رمضان من المواد الغذائية وغيرها قبل أسبوعين من شهر الصوم للهرب من ارتفاعات الأسعار السنوية كالشوربة والمعكرونة والعصائر والمعلبات بأنواعها طويلة الأجل، والتي تتعرض لارتفاع أسعار مبالغ فيها». ارتفاع الأسعار ويعترف صاحب متجر تجاري للجملة والقطاعي بالحوية أبو نايف بأن العصائر والمعلبات الأكثر استخداما في رمضان وزيوت الطبخ والأجبان إلى جانب الحليب والبيض وغيرها من السلع الاستهلاكية: «شهدت ارتفاعا بسيطا في الأسعار بنسب تتفاوت من 5 إلى15 %، وأعتقد أنني يجب أن أقف بجانب المستهلك على أمل مراعاة ظروفه، لكننا كتجار إذا اشترينا بأسعار مرتفعة نضطر للبيع بالأسعار نفسها، وأرى أن ما تشهده الفترة المقبلة من ارتفاع في الأسعار غير مبرر». تفكير ذكي لكن في الطرف الآخر يرى التجار أن الإقبال على الشراء والعروض ليس إلا تفكيرا ذكيا من قِبل المستهلك. وأوضح صاحب أحد مراكز الجملة محمد العتيبي أن حالة السوق الحالية والانتعاش الذي يعم السوق يؤكد تنبؤ معظم الأسر لأخذ احتياطاتهم قبل أن تدهمهم موجة الغلاء في مبيعات السلع الرمضانية كحال الأعوام السابقة: «هذا يعود لزيادة وعي المستهلك بمواجهة الغلاء بطرق يستطيع النفاذ منها بأقل الخسائر الممكنة، ونلاحظ قبل رمضان بأسبوعين قيام عدد كبير من الأسر بشراء غالبية المواد الرمضانية وتخزينها لديهم قبل دخول شهر البركات، ومعظم محال المواد الغذائية بدأت فعليا بالتنسيق مع الشركات المحلية لتأمين حاجات شهر رمضان من مختلف السلع الرمضانية بجميع أنواعها خلال الشهر الجاري، والتمهيد لطرح عروضها التسويقية وتخفيضاتها الموسمية بمناسبة شهر الصوم». ثلاثة مخاوف وعد المحلل الاقتصادي بسام فتيني أن الخطورة تتمثل في عدة مظاهر: «ربما نرى عروضا لمواد معينة في نشرة التخفيضات عند الدخول لمركز التسوق، لكن علينا ملاحظة أن العروض ليست على المنتج كاملا، بل للموجود في منصة العرض فقط، أو هناك فخ آخر يقع به الكثيرون ممن يعتقدون أنها فرصة للتوفير فيأخذ من المعروضات المخفضة كميات كبيرة ولا يتنبه لنقطة مهمة جدا ألا وهي تاريخ الصلاحية، فما فائدة أن اشتري أربعة كراتين مثلا لنوع ما من العصير وتاريخ الانتهاء قد يكون بعد أسبوع أو ثلاثة أيام، وللعلم هذه من العروض المتكررة التي لا بد من متابعتها من قِبل الجهات المختصة، أما الفخ الأكبر فهي للعروض التي تحمل طمسا لتاريخ الصلاحية، وذلك بجمع أربع أو خمس عبوات ولصقها بملصق يحمل شعار تخفيض ويتعمد مرور ذلك على الملصق الخاص بتاريخ الصلاحية والذي قد يكون منتهيا أصلا، ومن الحيل السيئة أيضا أن يمرر بعض موظفي الكاشيرات بعض البضائع على أنها مخفضة، بينما شاشة الأسعار تثبت عكس ذلك». وأشار إلى أن أساليب الاحتيال للأسف تتطور بتطور الزمن: «على المستهلك الانتباه لعدم التعرض للاحتيال، فيما يجب أن يتقي التجار الله عز وجل، ويجب أن تنتهي حالة البيات الصيفي في الرقابة من الجهات المختصة» .