قبل أن ينشر الأسترالي جوليان أسانج أخيرا أكبر «التسريبات الاستخبارية» في كل العصور على موقع ويكيليكس الإلكتروني الذي أسسه، لم يكن كثيرون يعرفون عنه شيئا. ولكن بعد تسريب أكثر من 75 ألف وثيقة تحكي تاريخ الحرب في أفغانستان، أصبح على كل لسان طوال أسبوع كامل. هل يمكن لذلك الأسبوع أن يغير مجرى الحرب في أفغانستان؟ نعم من الممكن، إذا أثارت التسريبات الرأي العام الشعبي ومن ثم الرأي السياسي. فهي أحدثت على الأقل جدلا جديدا حول المسار المستقبلي للصراع بعد أن كشفت تفاصيل أعمال العنف اليومية التي يتعرض لها قادة طالبان والمدنيين الأفغان من قوات التحالف، فضلا عن التعامل المزدوج من جانب حكومة باكستان. ورغم ردود الأفعال الحادة من البيت الأبيض والرئيس الأفغاني حميد كرزاي والاتهامات التي طالت الموقع، إلا أن «الباحث عن الحقيقة» ظل هادئا لأنه لم يكن مصدر هذه الأسرار، بل إنه مجرد ناشر لها على حد تعبيره. واستخدم الموقع موظفيه لفرز الوثائق، لكنه ترك مهمة التأكد من مصداقيتها لصحفيتي «نيويورك تايمز» و«الجارديان» ومجلة «دير شبيجل» على اعتبار أنها منافذ إخبارية تقليدية مشهورة وتحظى بثقة دولية. وبذلك ضمن الموقع أن الوثائق المسربة ستحظى بالانتباه والانتشار الكبيرين. وهذا النوع من التعاون لم يحدث قبل عصر الإنترنت أو حدث نادرا. وعندما جئت لإجراء حوار مع أسانج، وردود الفعل تتسارع على قدم وساق، وجدته غاضبا من تناول بعض وسائل الإعلام للقضية. ولوح بنسخة من صحيفة في وجهي صائحا: «هل رأيت كم هو هذا هراء؟ هل رأيت صفحة 13؟ انظري إلى العناوين والصور». ويصف كثيرون أسانج بأنه «الراهب المتسول في العصر الإلكتروني». ومثل منظمته، هو عالمي وليس له جذور. وعندما يبحث عن النوم، فإنه يجده على أريكة شخص آخر لأنه لا يملك بيتا ويقيم عند أصدقائه حول العالم؛ ولأن الأمر لا يزال في طور الظاهرة، وأنه نوع من التغيير التكنولوجي، ولأن هذه التكنولوجيا موجودة لإنشاء قواعد البيانات بهذا الكم الهائل الذي يمكن أن يتسرب منه الكثير، فإنه سيتواصل «تسريب المعلومات».