في المدينةالمنورة، كل شيء مختلف؛ المواقف والشوارع، والوصول السهل للحرم النبوي الشريف. فلا إحساس بما يكدر عليك صفو الروحانية التي تعيشها منذ اللحظة الأولى لوصولك إلى الرحاب الطاهرة، بل بمجرد أن تطأ قدماك أرض طيبة الطيبة. في المدينة.. لا صوت يعلو على صوت التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل، يقف الزائر مفتونا بما تراه عيناه، أرض داستها أشرف الأقدام، يرتمي في حضن البقاع الطاهرة، ويعود منشرح الفؤاد مهللا مكبرا، عاقدا العزم على العودة، لكن في مكةالمكرمة ثمة من يفسد روحانية المكان. الزائر لمكةالمكرمة، ربما في أحيان كثيرة ينشغل بالتكبير والتهليل، وأحيانا يرفع السبابة إلى السماء، قائلا: «حسبي الله ونعم الوكيل»، فيتجمع حوله المعتمرون لتفقد الأمر، فيجدون ما يفسد روحانية المكان: «الونش سحب سيارتي من أمام الفندق». يتذكر الزائر أن تكلفة وقوفه في موقف أسفل الحرم النبوي الشريف لا تتجاوز الريال الواحد: «أصلي وسيارتي في أمان بريال واحد»، لكنه يتحسر على الحال في مكةالمكرمة: «أصلي وذهني مشغول بسيارتي، التي ربما تسحب، وربما لا تسحب، فلا أعرف موقفا أذهب له، لأنني أجهل الطرقات، والمواقف الأهلية القريبة مستغلة، فالساعة لا تقل قيمتها عن 25 ريالا، والوقوف العشوائي وإن كان بجوار السكن يفقدك السيارة التي تسحب بعشوائية، وتضطر للبحث عن موقع حجز السيارات، ثم تدفع 50 ريالا رسوم المخالفة، لتأخذ سيارتك». ممنوع بلا مسموح بالقرب من المسجد الحرام، تنتشر عشرات اللافتات: «ممنوع الوقوف»، وتخطرك بإمكانية سحب السيارة، في أي وقت وأي زمن، بلا تركيز على موسم بعينه أو يوم بعينه، لكن الغريب في الأمر أن تجنب الممنوع في ظل افتقاد المسموح، يعني المستحيل: «يقولون هنا ممنوع، وهناك ممنوع، فأين المسموح، ولماذا تختلف المدينة عن مكةالمكرمة؟ فسياراتنا تقف أمام الفنادق بما لا يعرقل حركة السير، ولا يرفعها هذا الونش، أما في مكةالمكرمة فرأيت الونش الذي يقوده الأجنبي يرفع السيارة دون ورقة مرور، واقتفيت أثره فإذا توقيع المرور يأتي لاحقا، وما أعرفه أن الإجراء يجب أن يتم بإيعاز من رجل المرور أولا، وليس العكس». صلوات ضائعة لا يختلف الحال في أداء الصلوات، فإقامة الصلاة لا تعني لأصحاب السيارات التي تتجول حول المسجد الحرام أي تنبيه، حسب على الغامدي الذي وصل برا إلى مكةالمكرمة لقضاء عدة أيام في الرحاب الطاهرة: «وصلت مع الصلاة، وبدأت في رحلة البحث عن موقف، لأتمكن من أداء الصلاة، لكنني فشلت، وضاعت صلاة الجماعة، والسبب تلك الونشات التي حذرني منها الجميع، حتى في وقت الصلاة، صحيح أنهم لا يرفعون سيارة خلال الصلاة، لكن ما إن يسلم الإمام حتى تعلو السيارات سارية الونش ارتفاعا، في حين يستكمل المصلي الركعات التي فاتته، فماذا نفعل؟». إخطبوط رابح ويتهم الكثير من المعتمرين سائقي الونشات، ويشبهونهم بالإخطبوط الذي يبتلع الصالح مع الطالح، حسب تأكيدات محمد العمران القادم من الجنوب برفقة أسرته: «لا أعرف لحساب من يعمل هؤلاء، وما سمعته أن همهم الربح المادي، فنحن لا نقف في طريق المشاة، ولا نعرقل السير، وأحيانا نقف في شوارع جانبية بعيدة عن الحركة، ومع ذلك يدخلها الونش ليسحب ما يريد، ولا أحد يعاقبه أو يحاسبه، ولا نعرف لماذا يمنع الوقوف في أي مكان، هل هي ذريعة للسحب بلا محاسبة؟». لا وقت للوقوف ويرى المعتمر سلطان الوادعي أنه لا توجد لافتة وقوف طولي ولا عرضي في أي موقع حول الحرم، حتى في الحارات الجانبية: «أجزم أن رجال المرور لا يتفقدون الشوارع الجانبية، لأنهم يعرفون أن عملهم في الشوارع الرئيسية، لكن الونش يسحب السيارات من أي مكان، وإذا كانت هناك أماكن مخصصة للمواقف فإن المبادرة بالوصول مبكرا لحجز الموقف حتمية، لكننا للأسف لا نجد أي مواقف، إذن فالخلل واضح، وتشهد مكةالمكرمة توافد آلاف السيارات لأداء العمرة أو الزيارة، ولا حل». سحب غير مسؤول وفي حين ينتقد آخرون حالة السحب غير المسؤول التي يتبعها سائقو الونشات، التي تتضرر منها السيارات، أوضح ناصر السهلي أنه يفضل تجنب المشاجرة في البقاع الطاهرة: «ابتعدت عن التوقف جوار المسجد الحرام، وجئت لأداء صلاة الجمعة وذهبت إلى أحد المواقف الأهلية البعيدة جدا عن الحرم، وعرفت أن الساعة تكلف 15 ريالا، الأمر الذي يثقل على الزائر، لأن الوصول إلى المسجد الحرام والعودة يستغرق أكثر من ساعة، وإذا أراد الشخص أداء العمرة فإنه سيدفع للمواقف ما لا يقل عن 50 ريالا، فهل هذه عدالة؟ أما المواقف المخصصة للسيارات فبعيدة عن الحرم، وتضطر لاستئجار ليموزين يكلفك الوقت والمال». سحب من زمزم وينتقد نواف العتيبي سحب سيارته من أمام منطقة الغزة، في دقائق معدودات: «فضل أبنائي الحصول على مياه زمزم من المنبع، بدلا من الوقوع في فخ الباعة الذين يبيع بعضهم ضمائرهم، فأوقفت السيارة واصطحبت أبنائي لملء القوارير بالمياه، وعدت لأكتشف سحب سيارتي، وبالاستفسار دعاني رجل المرور لمراجعة مواقف سحب السيارات لأنني أوقفت في الممنوع، أبلغته بأنني أوقفتها على جانب الطريق المعروف بوجود مضخات مياه زمزم، لكن لا حياة لمن تنادي، فالونش رفع السيارة، ويتعاملون مع الناس كأنهم سلطة تنفيذية، وفى حال وصول صاحب السيارة بعد تعليقها لا بد من دفع 50 ريالا، وكل ذلك يتم في غياب رجال المرور». أرباح خيالية ويعتقد ياسر الدعجاني أن موسم الإجازة الصيفية وشهر رمضان المبارك فرصة للونشات لتحقيق الأرباح الخيالية التي لا تدخل إلا في جيوب بعض المستغلين بعيدا عن الوجه الحضاري الذي يجب أن تكون عليه مكةالمكرمة: «نحسب أن ربح أفراد يجب ألا يكون على حساب سمعة المنطقة، التي يعمل من أجلها الكثير من المخلصين، وفئة بسيطة تشوه العمل، تماما مثلما يحدث في سيطرة الأفارقة على مضخات مياه زمزم، وهنا يجب التدخل الحاسم من المرور، فالمخالفة يجب أن تسجل للمرور وتودع في حسابات الدولة، بعيدا عن جيوب السائقين». وأوضح أن المعاناة الأخرى في مواقع حجز السيارات: «يعاقبونك مرة أخرى، عندما يدعونك للبحث عن سيارتك بين أكوام السيارات المتراكمة، دون توضيح أو تمييز، المهم تدفع وتستلم». تحفظ وعدم رد تحفظ رئيس اللجنة العقارية بالغرفة التجارية الصناعية بمكةالمكرمة الشريف منصور صالح أبو رياش، عن التعرض لأصحاب الونشات من قريب أو بعيد، واكتفى بالتطرق للتوسعة التي ستشهدها الساحات الشمالية وما يمكن أن توفره من طرق للمشاة والمركبات، متجنبا الخوض في تفاصيل مشاريع مستقبلية لمواقف سيارات: «عدد الفنادق بمكةالمكرمة يشارف 500 فندق، ويوجد في الكثير منها مواقف خاصة للسيارات، وفي المواسم لا يسمح للسيارات بالدخول للمنطقة المركزية». حجز السيارات أما أمانة العاصمة المقدسة فراحت تروج لفكرة المساحات الواسعة لمواقف حجز السيارات: «هناك خمسة مواقف لحجز السيارات لحجاج بيت الله الحرام أثناء موسم الحج وكذلك الزوار والمعتمرين في شهر رمضان المبارك، وتبلغ المساحة الإجمالية لمواقف حجز السيارات 110 آلاف م2، تتسع لنحو 50 ألف سيارة». واستمرت في البيان التوضيحي: «هناك عشرة أنفاق مشاة تسهل الحركة المرورية، وستنفذ الأمانة مشروع أنفاق المشاة، حيث يأتي ضمن سلسلة من المشاريع التطويرية التي تشهدها مكةالمكرمة بوجه عام والمنطقة المركزية للحرم المكي على وجه الخصوص فمشاريع الأنفاق الأرضية ستحدث انعكاسات إيجابية على الحركة المرورية في المنطقة المركزية بشكل كبير». انتهت الأمانة من التوضيح، لكن الأمانة المهنية تقتضي القول بأن الونشات لا تزال تصول وتجول بلا رقيب، طيلة العام وعلى مدار الأيام، ولا حل إلا بوقفة ممن نعرف أنهم لا يحبون «الحال المايل» .