اسمه كان أول مشكلاته، منذ أن حوره ذلك المعلم العنيف من خلف الله إلى «يخلف الله»، يتذكر الآن كيف كان ذلك المعلم يكرر على مسامعه عبارة «يخلف الله» كلما عجز عن الانطلاق في القراءة أو فشل في حفظ جدول الضرب أو نسي كتابا أو دفترا. لم يتصالح مع طوله قط، على الرغم من بعض المميزات التي كان يحصل عليها بسبب ذلك الطول، فقد كان أول من يشتري من المقصف، لكنه في المقابل كان المفضل دائما لمسح السبورة، أو للمساعدة في تركيب اللوحات وتسميرها في زوايا الفصل. لكن مشكلات خلف الله لم تتوقف عند الاسم والطول فقط، فقد كانت إحدى مشكلاته الكبرى أنه يتحدث مع نفسه، يحدثها وكأنها شخص آخر وبصوت مرتفع يمكن للقريبين منه أن يسمعوه، وهذا ما كان يغضب والده فينهره بشدة كلما رآه يحدث نفسه بصوت مسموع، ولعل هذا ما جعله يعشق المشي، كان يمشي كثيرا، وغالبا ما يتجاوز المكان الذي يريد الذهاب إليه، يتجاوزه دون أن ينتبه فهو مشغول بالحديث مع نفسه وبصوت مرتفع. حسنا لو أن مشكلاته لا تتعدى الاسم والطول والثرثرة مع النفس بصوت مسموع لهان الأمر قليلا، فهي أشياء يمكن له أن يتجاوزها أو يتعايش معها بمرور الوقت، لكنه أيضا مهووس بمطاردة القطط، لا يتحمل رؤية قطة واحدة، وهو مستعد دائما وفي أي مناسبة لأن يضع ثوبه في فمه وينطلق في مطاردة قطة حتى لو أخذت منه هذه المطاردة الكثير من الوقت والجهد. هكذا كبر خلف الله، بهذه العقد الصغيرة أو الكبيرة، اسمه الذي لا يحب، وطوله الذي يخجل منه وحديثه المستمر مع نفسه بصوت مرتفع، ومطاردته للقطط في الشوارع. لكن الجميل في الأمر أن هذه العقد الصغيرة أو الكبيرة لم تمنع خلف الله من أن يصبح رجلا مرموقا في المجتمع خصوصا أنه الوريث الوحيد لوالده الذي ركب صاروخ الطفرة وطار بعيدا حتى صار من كبار رجال المال والأعمال. خلف الله هو الآن المدير العام لشركة كبرى لديها العشرات من الفروع في شتى المدن ولديها الآلاف من الموظفين والموظفات، لكنه لا يزال لا يحب اسمه ويكره كثيرا الصور الجماعية التي يصرّ مديرو الفروع على جعلها أحد طقوس الاجتماعات كما أنه لا يزال وهو في مكتبه الفخم يتحدث مع نفسه بصوت مرتفع، وكاد مرة يأمر سائقه بالتوقف لأن نفسه راودته كثيرا في مطاردة قطة مرقطة كانت واقفة بجانب بوابة الخروج. قصة: صلاح القرشي