لم يكن تمثيل المنتخب حلم كل لاعب، ولم يكن كأس العالم طموح النجوم كافة، لأن بعضهم يرى أن خدمة فريقه والتفرغ بصورة كاملة له هو الأهم، ولا يعني له ارتداء زي منتخبه الوطني شيئا، حتى وإن كان ذلك الأمر في كأس العالم، أقوى بطولة رياضية على الإطلاق.. بعضهم باع وطنيته وتنازل عن احترام جماهيره بثمن بخس، والآخر فضل استخدام طرق ملتوية مثل الكذب والظهور بصورة المظلوم ليكشف الوقت فيما بعد حقيقته. ويعد قائد فريق مانشستر يونايتد السابق والمدرب الحالي روي كين أبرز من تخلى عن منتخب بلاده في أحلك الأوقات وذلك قبل أسابيع من انطلاق بطولة كأس العالم 2002 في كوريا الجنوبية واليابان، بعد أن افتعل مشكلات عدة مع المدرب مكارثي رغبة منه أن يأتي طرده من قبله، ولكن مع تماسك المدرب وصبره على تصرفات قائد المنتخب حينها، لم يكن أمام كين سوى إعلان انسحابه، مدعيا أن المدرب «ظل يحاربه ولم يهدأ له بال حتى شاهده يخرج من المعسكر الإعدادي للبطولة». ومنذ ذلك الحين لم يمثل كين المنتخب الإيرلندي إلا في التصفيات المؤهلة لنهائيات 2006 وكان له تصريحات قاسية ضد وطنه وزملائه اللاعبين، بعدما أكد أن عودته مجددا إلى إنجلترا، حيث كان لاعبا في صفوف مانشستر يونايتد أفضل قرار اتخذه في مسيرته لأنه «تفرغ للعناية بكلبه» الذي يعد أهم لديه من المنتخب ومعسكره ومن كأس العالم برمته. ويبدو أن بول سكولز زميل كين في الفريق نفسه تأثر من تصرفاته، وحسده على الراحة التي ادعى بأنه يشعر بها، بعدما أعلن سكولز الملقب ب«رمانة وسط إنجلترا» اعتزاله الدولي بعد كأس أمم أوروبا 2004، وكان عذره أن «مانشستر يونايتد خدم مسيرته بصورة أكبر من المنتخب، ولهذا يجب ألا تتوزع مجهوداته إلى أكثر من طرف»، مضيفا أن حياته المهنية والعائلية أهم لديه من تمثيل الإنجليز: «مغرورون ولا أعلم على ماذا.. ماهي إنجازات منتخب إنجلترا حتى ندعي بأننا نفتخر باللعب معه، لا شيء». وأطلق سكولز قبل أيام تصريحا اتضح فيه رغبته في تحسين صورته أمام الجماهير بعدما ذكر أن المدرب فابيو كابيللو الذي وجه له الدعوة للعودة لتمثيل المنتخب في كأس العالم 2010 لم يعطه الوقت الكافي للتفكير: «كنت أفكر جديا في العودة، ولكن لضيق الوقت رفضت العدول عن قرار الاعتزال الدولي». ووجدت علاقة غريبة بين نادي مانشستر يونايتد والمنتخبات التي ينتمي إليها لاعبوه، بعد أن سار رايان جيجز على خطى زميليه وقرر ترك تمثيل ويلز في 2006 بعد 16 عاما: «أريد إطالة مسيرتي في اليونايتد، لذلك وجب علي التضحية إما بالمنتخب أو الفريق، واخترت المنتخب لأن ما عجزت عنه طوال 16 عاما لن أحققه فيما تبقى من مسيرتي.. اليونايتد من بطولة إلى أخرى، ولكن الكرة في ويلز متواضعة وأكبر طموحاتنا كان التأهل إلى نهائيات كأس العالم أو بطولة أمم أوروبا، ولم ننجح في تلك المهمة أيضا». وكان الهولندي يوهان كرويف أشهر من تخلى عن اللعب على الصعيد الدولي، بعد انسحابه من تشكيلة هولندا قبل كأس العالم 1978 بسبب تهديدات تلقاها بالقتل، ليتعرض بعدها لانتقادات لاذعة من الجماهير التي سعدت كثيرا بقدرة منتخب «الكرة الشاملة» في الوصول إلى المباراة النهائية في البطولة ذلك العام لرغبتها في التأكيد على كرويف أن المنتخب لا يقف عليه وحده. وزادت الشكوك حول حقيقة التهديدات التي تلقاها كرويف وعذره بخوفه على حياته، بعد أن عاد في 1979 للعب مجددا في أمريكا الشمالية، قبل أن ينتقل إلى إسبانيا ومنها عاد إلى هولندا مع نادي أجاكس وفاز معه بلقبين للدوري، لينهي مسيرته بعدها في فينورد عام 1984. ويعتبر الألماني بيرند شوستر واحدا من أصغر اللاعبين الذين أعلنوا اعتزالهم اللعب الدولي «24 عاما»، وجاء اعتزال شوستر بسبب خلافاته المتكررة مع اتحاد كرة القدم الألماني، ثم مدير المنتخب الوطني يوب ديرفال، وزملائه بمن في ذلك بول برايتنر. وإن كانت قرارات اللاعبين المذكورين أغضبت جماهيرهم، فإن البعض الآخر لم يكن صريحا بما فيه الكفاية وفضل التهرب من تمثيل منتخبه الوطني بأساليب مختلفة منها الكذب مثل ما حدث مع الإيرلندي ستيف آيرلند الذي انسحب من مباراة ودية دولية عام 2007 بسبب ادعائه أن جدته توفيت، لتكشف وسائل الإعلام المحلية بأنها لا تزال على قيد الحياة، ولم يقف آيرلند عند هذا الحد بعدما أكد أن المقصودة هي جدته من أبيه ليتضح فيما بعد أنه لم يقل الحقيقة، ليشطب الاتحاد الإيرلندي اسمه ويمنعه من تمثيل المنتخب منذ ذلك الحين. وبعيدا عن الأسماء التي فضلت الاعتزال الدولي والتفريط في بطولات مهمة مثل كأس العالم ولأسباب مختلفة غالبها لم يكن مقنعا، فإن العديد من اللاعبين يتمنون لو تم استدعاؤهم للمشاركة في المونديال الذي يقام للمرة الأولى في القارة الإفريقية، ولكن بسبب وجوب اختيار 23 لاعبا في قائمة كل منتخب واختلاف قناعات المدربين، سيجبرون على متابعة البطولة من خلف الشاشات مثلهم مثل بقية المتفرجين. وأشفق محبو المنتخب البرازيلي كثيرا على حال اللاعب رونالدينيو الذي حاول التفوق على نفسه ووزنه الزائد الموسم الماضي مع ميلان، وقدم موسما استثنائيا عند مقارنته بالعامين اللذين قبله، ولكن ذلك الأمر لم يكن كافيا لإقناع المدرب كارلس دونجا الذي رفض استدعاءه. وكانت الطريقة التي تعامل فيها الاتحاد البرازيلي لكرة القدم والمدرب، إضافة إلى رئيس الدولة فيها الكثير من الجحود لرونالدينيو الذي حاز جائزة أفضل لاعب في العالم مرتين متتاليتين، بعدما أيدت جميع الأطراف استبعاده وهنأت دونجا على قراره الذي وصفته ب«الجريء»، دون أن يواسوا اللاعب على خيبة أمله. وفي حالة مشابهة، قرر المهاجم الهولندي رود فان نيستلروي الانتقال من فريق بحجم ريال مدريد واللعب بصالح هامبورج الألماني، بسبب رغبته في المشاركة في المونديال الذي سيكون الأخير في مسيرته الكروية، ولكنه هو الآخر لم يكن من ضمن المستدعين على الرغم من تدني مستوى بعض مهاجمي المنتخب مثل كلاس هونتيلار، إضافة إلى إصابة فان بيرسي وبقائه بعيدا عن الملاعب أكثر من ستة أشهر. وإن كان رونالدينيو ونيسلتروي لم يقدما الأداء الكافي لكي يقنعوا فيه مدربيهم، فإن ثنائي فريق إنتر ميلان خافيير زانيتي وإستبيان كامبياسو كانا ضحيتين لقناعات المدرب دييجو مارادونا الذي استبعدهما من تشكيلة الأرجنتين على الرغم من تقديمهما أفضل مستوياتهما الموسم الماضي، وفوزهما بألقاب الدوري والكأس المحليين مع الإنتر ودوري أبطال أوروبا. وتعرض مارادونا لانتقادات لاذعة بسبب قراره الغريب باستبعاد ذلك الثنائي، كونهما يعدان من أمهر لاعبي خط الوسط في الوقت الحاضر، واتهم بمجاملته للاعبي فريقه السابق بوكا جونيور بعدما استدعى المهاجم مارتن باليرمو على الرغم من بلوغه ال37 من عمره، والتراجع الحاد في مستواه. وعجزت وسائل الإعلام المختلفة في الأرجنتين عن تفسير قرار مارادونا خصوصا فيما يخص خافيير زانيتي صاحب ال136 مباراة دولية، إلا أن غالبيتها اتفقت على «عدم تقبل المدرب لشخصية زانيتي وليس لعبه، ولهذا قرر الاستغناء عنه، والعمل مع المجموعة التي يرغب فيها». وعانى لاعب الوسط الإسباني ماركوس سينا ذات المصير الذي عاناه زانيتي وكامبياسو، ولكن مع المنتخب الإسباني، بعدما رفض فيسنتي ديل بوسكي استدعاءه على الرغم من محافظته على مستواه الاستثنائي الذي قدمه في كأس الأمم الأوروبية عام 2008 ولعبه دورا بارزا في تتويج منتخب بلاده باللقب للمرة الأولى منذ الخمسينيات، حيث اختير من ضمن أفضل ثلاثة لاعبين في تلك البطولة، وجاء في المركز الثاني بالنسبة إلى لاعبي إسبانيا بعد صانع الألعاب تشافي هيرناندز. ونال الفرنسي كريم بنزيمه ما ناله الكثيرون غيره، بعد أن رفض المدرب ريمون دومنيك ضمه إلى تشكيلة المنتخب الفرنسي، نظرا إلى بقائه فترات طويلة على دكة البدلاء في ناديه ريال مدريد، وهو الذي انتقل له ظنا منه أنه سيساعده على إظهار المزيد من قدراته، بيد أن الحقيقة أظهرت تدني مستوى بنزيمة منذ تفضيله اللعب في الدوري الإسباني، حيث استطاع زميله جونزالو هيجواين من خطف مركزه وأبقاه على الدكة