من بين تقاسيم وجهه تظهر ملامح السنين الماضية .. وعلى تجاعيد محياه تتجلى معاناة الظروف الكثيرة في الحياة .. وفي يبوسة كف هذا الشيخ تتضح السنون العجاف التي حلبها طوال قرن ونصف من عمر الزمن .. ومن يجلس معه في حديث ودي سوف يجد أنه عاد إلى ما قبل الوراء حيث الفقر والقدم والأزمنة الغابرة التي تدرج فيها .. كيف لا وقد تلونت حياة هذا الشيخ بألوان العصور الماضية وعاش في دنياه ما لم يعش أقرانه، فقد عاصر ما قبل الملك عبدالعزيز وتوحيد المملكة فيما شهد حتى حفيده الخامس، فانقضى من أقرانه الكثير إن لم يكن الجميع وبقي هو شامخاً بشموخ الجبال التي مرت عليها آثار العمر.علي بن جار الله الزهراني رجل معمر من قبيلة بيضان بمنطقة الباحة كلما جلس في مجلس يتلفت يمنة ويسرة عله يجد من يكبره سناً أو من يقاربه في السن فلا يجد إلا من هم في حكم أبنائه وأحفاد أحفاده. النشأة يقول الشيخ على: «نشأت يتيماً في ربوع قريتي( الحلاة ) وتوفي أبي قبل أن أراه أمّا والدتي فقد تزوجت وأنا صغير دون العشر سنوات فعشت في قبضة الفقر ونشأت آكل مما أزرع حيث كانت الزراعة هي المصدر الوحيد لحياتي وعن تفاصيل حياته يقول الشيخ علي من النقاط التي لن أنساها في حياتي أنني حاربت مع جيش الملك عبد العزيز في بلجرشي . عامل ب ( 7 ) قروش ويشير العم على أنه سئم من الفقر المدقع الأمر الذي جعله يرحل من منطقة الباحة متجهاً إلى مكةالمكرمة طلباً للعيش، وعن هذه الرحلة يقول: «لقد سرنا على أقدامنا من الباحة إلى مكة واستغرقت هذه الرحلة اثني عشر يوماً وبدأت أعمل في مكة ( مجاود) أي عامل بقيمة 17 ريالا فرنسية في السنة ويشير إلى أن الحرم آنذاك متقارب وصغير جداً وكان ذلك في عهد حسين باشا والمسعى كان من الحجارة الصغيرة»، ويقول أيضاً: « لقد عملت لدى أحمد الصباغ في المركل ( الخلطة ) وكانت اليومية بسبعة قروش»، ويذكر الشيخ علي أنه في ذلك الوقت كانت الحياة معدومة الأمان وكان الواحد منا يخاف على نفسه حتى أن الكثير من الناس ممن يملكون قطع الذهب كانوا يبلعونها في حال السفر حتى لا يسرقها أحد. 6 أيام في لجة البحر وعن أصعب موقف مر عليه يقول: « مررت بموقفين الأول هو أننا قد سافرنا عن طريق البحر على ساعية ( سفينة شراعية ) من بحر جدة إلى القنفذة قبل أكثر من مئة سنة، وفي منتصف البحر توقفت الساعية لأن الهواء قد توقف، وأصابنا الخوف من غمة البحر حيث أصبحنا في منتصفه ودنا علينا الليل وجلسنا في ذلك البحر قرابة الستة أيام، حتى أننا كنا نصطاد الحيتان ونأكلها في وضع مأساوي كاد أغلبنا أن يموت لولا لطف الله عزوجل، وفي اليوم السادس تحركت السفينة فاستبشرنا خيراً إلى أن أراد لنا الله عز وجل الوصول إلى شاطئ القنفذة وفيها نزلنا نبحث عن العمل». كدت أعرض للبيع أما الموقف الآخر فيقول: «كنا في سفر قبل قرابة المائة والعشر سنوات وفي الطريق فاجأنا قطاع طريق فأمسكوا بي يريدون أن يطلوا جسمي بالقار ليوهموا الناس بأني عبد ويبيعونني في السوق ولكن الله عز وجل أنجاني منهم حيث تمكنت من الهروب قبل أن يحكموا قبضتهم علي». تزوجت بمهر من الحب والشعير ويستطرد المعمر علي جار الله في حديثه فيقول: «أراد الله تعالى لي الزواج فتزوجت وكان المهر آنذاك بما يعادل المائة ريال حيث تزوجت بكمية من الحب والشعير، ولله الحمد أحد أبنائي الآن عمره قرابة الثمانين سنة ومن فضل الله عزوجل علي أني الآن أشاهد الحفيد الخامس من أبنائي وهذا من فضل الله تعالى علي». الجن علموني الطب الشعبي وعن الأمور الغريبة في حياته يؤكد الشيخ أنه أول من أظهر الشاي والسكر في منطقته حيث لم تكن المنطقة التي يعيش فيها تعرف الشاي والسكر، كما أنه أول من أظهر الفانوس في المنطقة التي يعيش فيها، ويضيف قائلاً: «لقد تعلمت الطب الشعبي وخصوصاَ جبر الكسور عن طريق الجن وقد تستغربون من هذا الحديث ولكنه هو الواقع حيث كنا في القنفذة وكان هناك رجل يأتيه الزار وكانت قرينته تعلمه بعضاً من الطب الشعبي وكنا نسمع تلك القرينة ونأخذ عنها ونحن في أشد مراحل الخوف»، ويذكر العم علي أنه يعرف طريقة تجبير الكسور حيث أنه في السابق كان يأتيه الناس لجبر الكسور التي تصيبهم وكان يعرف مواطن الكسر ويلف الجزء المكسور بجانب لحاء من جذع الشجر بعد أن يدهنه بالسمن وزيت الزيتون كما أنه كان يعالج الجروح عن طريق طحن الأحجار الخضراء وبعض الأعشاب. حياة غير متوقعة وبعد أن سرد لنا الشيخ علي طرفاً من مواقف حياته وقف برهة وقال: «لم أكن أتوقع أن أعيش في مثل هذا الحياة ولو خيلت لنا هذه الحياة سابقاً لقلنا إنها مستحيلة، بل إنها ضربا من الخيال، فسبحان الله .. لقد تغيرت الحياة بشكل كبير ولو لم يكن في هذا الوقت إلا الأمن والأمان وهذا ما كنا نفتقر إليه قبل حكم الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وحتى الآن حيث عشنا في حكم حسين باشا مرحلة من الخوف والهلع، ونحن الآن في ظل هذه الحكومة الرشيدة نعيش الآن بفضل الله عز وجل حياة كلها أمن واطمئنان ورخاء».