في تهامة الباحة تأخذ منحدرات جبال السروات تشكيلات شديدة الانحدار باتجاه الشريط الساحلي للبحر الأحمر، إلا أن في تهامة أيضا جبال تعانق بارتفاعها الشاهق قمم جبال سراة الباحة، والتي يأتي في مقدمتها قمم جبل شدا الأعلى، التي يضرب بها المثل في الارتفاع الشاهق في تهامة، حيث تساوى بعض قممه أعالي قمم جبال السراة، مما جعل هذا الجبل ينفرد بتشكيلات صخرية شديدة الانحدار تتوزع باشكال تضاريسية صخرية مختلفة، وتتناثر القرى الأثرية الضاربة في القدم على جنباته، فكل قرية استوطنت جانبا من الجبل واستقرت في كهوفه الصخرية وتحت صخوره المكشوفة، مكملة بعض واجهات البيوت بالحجارة، والأبواب الخشبية التي يتم اقتطاعها من الجبل الذي يكسوه الزيتون والعرعر إلى بعض الأصناف الأخرى من الأشجار والشجيرات. لمسات فنية وقامت المدرجات والمنازل في شدا على مساحات صخرية، إلا أن المدرجات نتجت عن إقامة الحواجز الصخرية في مجاري السيول من الجبل ومن ثم جلب التربة إليها من مواقع أخرى، فقد اعتمد سكان الجبل على زراعة البن بالدرجة الأولى، واستخدموا فن النحت وتطويع صخور الجرانيت، واستخدمت الكهوف والمغارات الطبيعية فيه للسكن، مع اضافة بعض اللمسات الفنية في تلك التشكيلات الصخرية وجعلها مناخاً صالحاً للسكنى واستغلال أشكالها المحفورة لأغراض معيشية ونفعية وتجميلية وخدمية فريدة. ويشتهر جبل شدا غامد بزراعة البن والكادي، ويعتمد عدد من الأهالي على الرعي والمناحل، حيث يعد العسل الشدوي من اغلى وأجود انواع العسل وأكثرها ندرة لكثرة التنوع في نباتاته العطرية وانزوائه عن المنتجات المصنعة. وقد استطاع الاهالي نحت هذه الصخور واستخدامها للسكنى بهذه الطرق الجميلة، وإصرارهم على انها افضل من القصور والمنازل الحديثة، ومن العجيب في الامر انك تجد سكان الكهف يخاطبون ارجاء العالم عبر وسائل الاتصال المختلفة كالانترنت وخلافه، وذلك من داخل الكهوف المزينة بالنجف والتحف الفاخرة، وأجهزة الاتصالات المتعددة. كهوف مجهزة يقول محمد الشدوي من اهالي جبل شدا: ان هناك كهوفا كانت مهيأة طبيعيا للسكنى صنعتها عوامل التعرية كما ان هناك كهوفا أخرى تدخلت في نحتها الأيادي كأعمال السباكة الدقيقة التي تخترق الصخور وأسلاك الكهرباء، ويقول احد الاهالي أنه بالرغم من الارتفاع الشاهق والخطورة الشديدة، فقد توفرت المدارس والرعاية الصحية وهناك بعض كبار السن مازالوا متشبثين بالبقاء في هذه المرتفعات الوعرة. يقول العم احمد الشدوي أن العديد من الشدويين هجروا هذا الجبل بسبب انعدام الخدمات ومن اهمها الكهرباء، ولم يبق هنا سوى كبار السن الذين فضلوا البقاء في هذه العزلة والتي يفضلونها على صخب المدينة، وقد اعتمدوا على حرف الرعي وتسويق الأغنام. يقول عبدالله الشدوي بعد ان اصبح جبل شدا الاعلى محمية فقد توفرت فيه كثير من الخدمات ومنها الكهرباء والهاتف، وبدأ الكثير يعود الى هذا الجبل والذي يعد احد المعالم السياحية بمنطقة الباحة. ويقول سعيد الشدوي: يظل شدا الأعلى جبل له طبيعته الخاصة ومناخه المختلف تماما ومناظره الخلابة وقراه المتداخلة بتضاريسه الصخرية وغاباته الكثيفة، والعجائب التي تتوارى خلف ارتفاعه الشاهق، وفي أعماق كهوفه الصخرية عوامل جذب وعشق ينادي إليها زائري شدا على مدار العام.