يروي التراث والتوارد والمواثيق، وأهمه ما نقله ابن أبي شامة والمطري، أن بركانا ثار في منطقة يسمونها "حرة واقم" بشرق المدينةالمنورة، وانفجر بحمم راح بعضها يتطاير وبعضها ينحدر ويسيل، وكاد أن يصل إلى الحرم النبوي الشريف. لكن الثورة البركانية هدأت بعد 52 يوما من العام 654 هجرية، ولم تعد تتمخض ثانية، لا في "حرة واقم" ولا في غيره من براكين ماتت قبله وممتدة الآن كحزام جبلي في النصف الشمالي من الغرب السعودي على ساحل البحر الأحمر، لكنها كانت ناشطة طوال 30 مليون سنة، وآخرها هدأ تماما منذ مليوني عام، الى أن عاد بركان "حرة واقم" وثار آخر مرة قبل 775 سنة. ذلك الحزام البركاني السعودي أثار اهتمام 16 رائدا كانوا على متن محطة الفضاء الدولية في أول مارس/آذار الماضي، فالتقطوا ذلك اليوم صورا لقسم هام منه، هو "حرات خيبر" المنتشرة فيها حمم برتقالية داكنة، وأخرى سوداء، تقيأتها فوهات أكثر من 10 براكين على مراحل طوال ملايين السنين، ثم رست منسية في الصحراء تكافح الزمان إلى الآن وإرهاب البيئة. وتشرح وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) في موقعها على الانترنت، الشيء الكثير عن "حرات خيبر" الممتدة على مساحة 14 ألف كيلومتر مربع، والبعيدة 137 كيلومترا بدءا من الشمال الشرقي للمدينة المنورة. وتقول إن "حقل الحمم" في المنطقة عملاق ومتنوع، وتكون طوال 5 ملايين عام، محتلا ذيلا في الصحراء طوله 100 كيلومتر، بدءا من تبوك في الشمال إلى "خميس مشيط" في الوسط، وهناك تكون "جبل القدر" من حمم وبقايا بركانية تراكمت بارتفاع 322 مترا، كذلك تكون "جبل أبيض" الظاهر في وسط الصورة من مكونات البراكين وحممها وبقايا ما ينتج عنها من صخور وكتل رملية تطير مع رياح حارة تولد عادة مع الهيجان البركاني. أما عند الجهة الغربية من "حقل الحمم" الظاهر في الوسط العلوي من الصورة، فبدا "جبل بيضا" المثير أكثر من سواه للفضول، لأنه متواز ومخروطي الشكل وتكون من حمم سالت الى وسط مائي وتراكمت عليه، وكأن "ناسا" تريد أن تقول ان الحمم اتجهت نحو بحيرة كانت هناك، أو ربما مستنقع أو فجوات مائية كانت في المنطقة، فمن الشكل الخرطومي للجبل وألوان الصخور والحمم البادية في الصور، وهي أشد بياضا في هذا الجبل بالذات، تعتقد الوكالة الفضائية أن المياه كانت متواجدة بكثرة في تلك المنطقة، فكانت ريانة والمناخ فيها كان رطبا ومنعشا خلال فترة النشاط البركاني، في حين أن المناخ في المنطقة الآن قاس وحار وليس فيه انتعاش بالمرة، لذلك يهطل المطر كل عام هناك، لكنه لا يأتي بالخير الأخضر على الاطلاق. وفي التراث، وكذلك في الموروث من المواثيق، خصوصا ما كتبه ابن شامة، من وصف لما حدث حين ثار بركان "حرة واقم" قرب المدينةالمنورة، ولخصه موقع "الصحرا" السعودي المهتم بجغرافية الجزيرة العربية وتاريخها البيئوي، فقال "إن البركان بدأ بثورته في أول يوم من جمادي الآخرة، حيث حدثت زلزلة هائلة، ثم شاهد أهل المدينة بعد 5 أيام حمما تتجه قرابة الشهر باتجاه المدينة وتمت رؤية النار من مسيرة خمسة أيام". يمضي الموقع ويقول: "وذكر أبو شامة أنه كتب مستعينا بضوئها (النار البركانية) في الليل، وأن الناس عرهوا الى البيت الحرام يدعون، ثم هدأ البركان بعد 52 يوما" وكله نقلا عن ابن شامة كشاهد عيان.