منذ استقلال مصر ، ودخولها عصر الديمقراطية ، أُعِدَّت خمسة دساتير ، لاشك أن التفاوت بينها كان ملحوظًا ، إلا أن الغريب في عهد مبارك ، هو الاعتماد على الدستور السابق في عهد السادات ، وكان التغيير الأكبر الذي حدث فيما يخصه ، هو تغيير العديد من القيادات ، التي تُفَسِّر الدستور كما تشاء ، وتطبِّقه بالهيئة التي تكفل بقاء (الباشا) يرتع كما يشاء. وظلَّ الشعب المصري في انعزال تام عن الدستور الذي ينظم العلاقة بينه وبين كل أجهزة الدولة. ظلَّ الشعب المصري يتجرع غصص اغتصاب السلطة لكل مرافق الحياة ، حتى جاءت ثورة 25 يناير ، وانفرد الشعب بقراره الضاغط لإعداد الدستور ، ووضوح كامل العلاقة التي تربطه مع مؤسسات الدولة ، وكان نتيجة ذلك أن عكف الخبراء من كل التخصصات ، مع مشاركة النخب السياسية ، والقوى المدنية ، حتى ظهر الدستور المصري الجديد ، بالصيغة التي تابعها عشرات الملايين ، في كل مكان. لقد كنت واحدًا من الذين تسمَّروا أمام الشاشات المتباينة لمتابعة كل ما قيل عن الدستور المصري الجديد ، وحفظت بنوده ، وفهمت تفسيرات الكثير من عباراته المجملة ، ووقفت عند الآراء والملاحظات التالية: 1- أُعدَّ الدستور بطريقة مهنية دامت خمسة أشهر ، واصل فيها القائمون عليه بكل تخصصاتهم وخبراتهم وتنوع أيديولوجياتهم أكبر الجهد ، وأطول الوقت. وقد سمعت ما يبهج ويفرح من خطوات ذكرها المسؤولون عن مسودة الدستور ، وفي المقابل رأيت حجم الخداع والكذب والتدليس الذي حاول البعض ترويجه من أن الدستور (دبِّر بليل) وأنه (طائفي) الوجهة ، وأنه (سلق) في سويعات!!. ويكذِّب هذا كله أسماء القائمين عليه ، من أصحاب الخبرات العالية ، والوجهات الفكرية المتنوعة ، و(مضابط) اللقاءات. 2- شمل الدستور كل مناحي الحياة التي تهم المصريين بكافة مستوياتهم واهتماماتهم ، ولاحظت في كل المناقشات أن المختلفين إنما يعترضون -في الظاهر- على عبارات وتفسيرات ، يبدِّدها الطرف الآخر ، بغض النظر عن (نيَّات) بعض المعترضين الذين لا يريدون الشرعية الحالية من أساسها ، ويتمنون اللحظة التي تُعاد فيها الانتخابات ، وهيهات!. ورغم أن البعض صرَّح بهذا كما يقول عدد من المتحدثين في اللقاءات ، إلا أنه في المآل لن يتأثر بهذا الطرح إلا القليل ، والرد عليه منطقيًّا سهل وبالإمكان. 3- تباينت الجهات الإعلامية ، وفي مقدمتها الفضائيات في الاصطفاف هنا وهناك ، لكن الاصطفاف هنا وهناك لا يقف تأثيره على منبر واحد ، ولا خطاب واحد. وهذه القضية دائمًا ما نكررها ، ونعيد الحديث عنها ، فالمراهنة الشعبية تتطلب توجهًا جادًّا لتيار الجمهور العريض ، الذي يشكل هاجسًا ربما في صراع القوى. فالأمور لم تستقر بعد ، والثورة المضادة لم تنم. وفي المآل : سيقول الشعب المصري كلمته النهائية ، فإن وافق بنعم ، فلتمضِ مصر في طريق تنميتها وريادتها ، وإن قال لا ، فلتقرأ واقعها جيدًا ، ولتُعِدْ دراسة طريقها الذي يكفل إتمام المسيرة الجادة ، ولكن بتوافق أكبر. وفيما يريده الله ويقدره الخير ، وطوبى للمصريين الذين شغلونا بالليل والنهار ، وحوَّلوا أنظار العالم إليهم ، في عرس ديمقراطي مثالي ، يعيد للأمة عافيتها ، وروح الأمل فيها.