بدا أمس أن طريق التوافق بين الإسلاميين من جهة والقوى الليبرالية واليسارية من جهة أخرى وصل إلى طريق مسدود، بعدما توالت الانسحابات الرسمية من الجمعية التأسيسية لوضع الدستور التي لم يعد فيها سوى قوى التيار الإسلامي. لكن بدا أن الإسلاميين غير مكترثين لتمدد الانسحابات وأكد بعضهم التمسك بتمرير الدستور، وإن كانوا سيواجهون تحدياً كبيراً في الاستفتاء عليه، لا سيما مع انسحاب ممثلي الكنائس وإعلان القوى السياسية المنسحبة الإعداد لدستور موازٍ وتشكيل تحالف لمواجهة تمرير مشروع التأسيسية. وكانت قوى ليبرالية ويسارية ممثلة داخل الجمعية التأسيسية أعلنت في مؤتمر صحافي أمس الانسحاب احتجاجاً على مسودة الدستور والطريقة التي كتبت بها، قبل أن تجتمع في حضور مؤسس «التيار الشعبي» حمدين صباحي وقيادات في أحزاب «الدستور» و «المصري الديموقراطي الاجتماعي» و «المصريين الأحرار»، وهي القوى التي رفضت منذ البداية المشاركة في الجمعية التأسيسية. وأعلن المجتمعون في نهاية الاجتماع الذي عقد في مقر حزب «الوفد» تشكيل مجموعة عمل لإعادة صياغة الدستور تضم اللجنة الاستشارية المنسحبة، إضافة إلى كل من جابر نصار وعمرو حمزاوي ووحيد عبدالمجيد ويحيى الجمل، كما تم الاتفاق على أن يكون عبدالجليل مصطفى هو المنسق العام لها، كما أعلنوا تشكيل «جبهة إنقاذ وطني» تبدأ عملها على الفور ومقرها حزب «الوفد». وحذر المنسحبون في بيان من «خطر مشروع الدستور الذي يريد المسيطرون على الجمعية التأسيسية سلقه وتمريره بسرعة ومن دون نقاش جاد سواء داخلها أو في المجتمع». وأكد هؤلاء أن «لا صلة لموقفهم بأي خلاف مفتعل على قضية الشريعة الإسلامية ولكن الخلاف كله على تفسير هذه الشريعة بين من يفهمونها في إطار الإسلام الوسطي المعتدل ومن يحاولون فرض مفاهيم غريبة عنها وعن مجتمعنا». وقال المرشح الرئاسي السابق عضو الجمعية التأسيسية المنسحب عمرو موسى في المؤتمر الصحافي إن «تمرير الدستور بالشكل الحالي خسارة لمصر ولا يمكن أن نكون جزءاً منه». وأكد أن «لا عودة في قرار الانسحاب... نحن لا ننسحب كي نعود وما يهمنا هو الدستور وهذه هي رسالتنا القوية لهم بأن يصاغ الدستور صياغة مختلفة». وأضاف: «صحيح أن عنصر الوقت مهم ولكنه ليس كل شيء. نحن نرى أن هناك عواراً لكن يمكن إصلاحه». ولفت إلى أنه «منذ بداية انعقاد التأسيسية اقترحت المجموعة المدنية ألا نلجأ إلى التصويت وأن تكون القاعدة هي توافق الآراء وألا يتم التصويت بغالبية بسيطة على مواد تتعلق بدستور مصر وألا تتم المناقشات بليل، لكن حدث تراجع في عمل التأسيسية لأسباب عدة أولها الرغبة في الاستئثار وإحداث اضطراب في الإدارة وخروج مسودات متناقضة». وشدد موسى على أن «الدستور في شكله الحالي فيه قدر كبير من الركاكة وعدم التوافق الحقيقي على مواد ذات جوهر مهم»، لافتاً إلى أن «المسألة ليست كما يقال تتعلق بالشريعة فنحن نهتم بالشريعة واتفقنا على صيغة ومضمون المادة الثانية بأن تكون الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع لكننا فوجئنا بعكس ما اتفقنا عليه وبمادة أخرى تخلي الشريعة من معناها». وقال: «وجدنا أن النقاش قلت مساحته أخيراً لمصلحة قرارات سريعة وصياغات غير متفق عليها». وأكد «أهمية أن تكون جمعية الدستور رصينة وتستمع إلى أعضائها»، مشيراً إلى أن «اللجنة الفنية الاستشارية التي عينت وأجمعت على تعديل 50 مادة لم يؤخذ برأيها... اكتشفنا أننا نعمل بلا فائدة وأن هناك صعوبة في أن يقبل التيار الآخر آراء أخرى ومن ثم قررنا الانسحاب». وشدد على أن «قرار الانسحاب ليس لعبة سياسية ولكنه أمر جدي وموجه إلى مواد الدستور نفسها وليس ضد أحد أو حزب أو جماعة بعينها... الخلاف يأتي في المواد الأساسية والرئيسة في الدستور وهي المواد التي تذكر المجتمع وسلطاته». وقال عضو اللجنة الاستشارية المنسحب حمدي قنديل: «لم نستقل لأسباب سياسية لكننا استقلنا لأسباب خاصة بنا فعندما قمنا بمناقشة أكثر من نصف مواد الدستور وقدمنا تعديلات عليها لم تؤخذ في الاعتبار». وأضاف: «عندما أنذرنا بالانسحاب إذا لم ننضم إلى لجنة الصياغة المصغرة قالوا إننا من الممكن أن نمثل بعضو واحد لكن عند الطلب فقط أي عندما يتم استدعاؤه». وأشار إلى أن «الاعتراضات على مواد الدستور جاءت لأنه يفتقد كثيراً من التقاليد الدستورية المعروفة وما يحقق العدالة الاجتماعية وأهداف ثورة يناير... اللجنة الاستشارية انسحبت لكنها تعلن استمرارها في وضع دستور ستطرحه على الشعب». أما نقيب الفلاحين عضو الجمعية المنسحب محمد عبدالقادر فقال: «جئنا نكتب دستوراً لكل المصريين وليس لفئة بعينها وحاولنا منذ أربعة أشهر تعديل بعض المواد ولم يؤخذ بها». وقال الناطق باسم الجمعية وحيد عبدالمجيد: «وصلنا إلى طريق مسدود... والمشاورات لم تأت بنتيجة». وشدد على أن «الشريعة الإسلامية ليست موضوع الخلاف في مبادئ الدستور لكننا رفضنا المفاهيم الغريبة على الشريعة وعلى مجتمعنا وهي مفاهيم طالبانية ووهابية وغريبة على الشريعة». وقال: «لا حقوق للعمال في هذا الدستور كما أنه يتحدث عن أصحاب المعاشات باستهانة. حاولنا تقنين ما انتزعه الصحافيون والإعلاميون خلال العقود الماضية من حقوق لكننا فوجئنا بنصوص توضع بليل لا نعرف من يضعها تنسف ما انتزعناه والنص الآن بالنسبة إلى حرية الصحافة والإعلام يتيح للمشرع القانوني إغلاق الصحف بقرارات إدارية أو أحكام قضائية، وليست مصادفة أن تتزايد الهجمة على الإعلام والصحف فنحن أمام كارثة». وأضاف أن «انسحابنا لا يعني تخلينا عن دورنا ولكننا سنمارس عملنا مع اللجنة الاستشارية لتقديم مشروع دستور وسننطلق بتحركات شعبية لتوعية المصريين بالمخاطر التي ستأتي إذا تم إقرار هذا الدستور الذي هو ضد الشعب». وعلى النهج نفسه سارت «حركة 6 أبريل» التي أعلنت انحيازها إلى المنسحبين. وأكد منسق الحركة أحمد ماهر «وجود تجاهل لكل الاقتراحات التي قدمتها القوى المدنية والأحزاب والحركات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني»، موضحاً أن «الخيارات المطروحة الآن بين المواد المعيوبة التي صدرت في المسودة الأخيرة وبين مواد أكثر تعسفاً وتشدداً وتشوهاً، إلى جانب أن الجدول الزمني للنقاش في شأن بنود الدستور غير كاف». وانتقد طريقة إقرار مواد الدستور التي جرت على مدار اليومين السابقين، إذ رأى أنها «تجري من دون نقاشات حقيقية». وأضاف: «لوحظ أنه يتم السماح للأعضاء الاحتياطيين بالتصويت بما يخالف اللائحة وبما يضرب النصاب المنصوص عليه لبدء النقاش». في المقابل، بدا أن القوى الإسلامية غير مكترثة كثيراً بانسحاب القوى المدنية، إذ عقدت أمس الجمعية التأسيسية اجتماعاً لمناقشة باب نظام الحكم في الدستور. وأكد رئيس الجمعية حسام الغرياني أنه لم يرد إليه شيء يفيد بانسحاب عدد من ممثلي القوى السياسية أو الكنائس. وقال في بداية جلسة أمس إنه «لا يعول على ما يقال في الصحف أو وسائل الإعلام عن هذه الانسحابات، وأعتقد بأن الغالبية منهم كانوا يعملون معنا بإيجابية شديدة وكانوا يبدون آراءهم حتى لو خالفهم الجمهور ويفسح لهم المجال ولا أرى مبرراً للانسحاب ولم يحظر على أحد أن يبدي رأيه أو يتكلم». وأضاف: «كنت أتمني لو حضر أحد منهم معنا ليتحدث بالنيابة عنهم ليقول لنا موقفهم صراحة ونحن نفتح ذراعينا لهم ونرحب بعودتهم لكن يجب أن نعلم لماذا انسحبوا ولكل شيء حدود وإن كان في استطاعتنا وبالديموقراطية أن نستعيدهم فلا مشكلة ومن دون الإخلال بانتظام العمل. وإذا كان الأمر يتجاوز هذا أو ذاك فلا حيلة لي أو لكم ونحن نتمنى عودتهم».