منذ أن أعلنت وزارة العمل نيتها فرض رسوم على جميع منشآت القطاع الخاص التي يزيد فيها عدد العمالة الوافدة على العمالة الوطنية (2400 ريال سنويا عن كل أجنبي) والاحتجاجات تتوالى وبنبرة عالية ومتشنجة لا تخفى على أي متابع. وفي رأيي الشخصي ، خيرا فعلت وزارة العمل حين أصدرت القرار ، على الرغم من قناعتي الشخصية بأن مبلغ 2400 ريال سنوي عن كل عامل أجنبي مبلغ زهيد وقليل ولا يفي بالغرض الذي من أجله وضع ويجب مضاعفته على الأقل ليصل إلى ثمانية آلاف ريال ، إلا أنه كبداية مبلغ لا بأس به. وردود الأفعال السلبية تجاه القرار ليست مستغربة أبدا ، فخلال الفترة الماضية فشل القطاع الخاص في دمج السعوديين في أعمالهم بحجج ضعيفة وغير مقبولة على الرغم من الدعوات المتكررة من كافة الجهات الرسمية المختلفة ، وعلى الرغم من الكفاءة التي يتمتع بها الشباب السعودي وعلى الرغم من مستويات البطالة التي يعانيها شبابنا وبناتنا. وحين الإمعان في قراءة الاحتجاجات نجد أنها تدل على ضعف وقصور في معرفه البيئة الاقتصادية العالمية ، كما تدل على ضعف استيعاب رجال الأعمال للمصلحة الاستراتيجية للسعودة ، سواء للوطن أو لرجال الأعمال أو للشباب والشابات. مجموعة من رجال الأعمال الغاضبين بلغ بهم الغضب من هذا القرار حد العناد والإصرار على الرفض كما جاء في صفحات (الاقتصادية) ، ومن أمثلة ذلك ما عبر عنه عدد من رجال الأعمال في الشرقية بأنه (لا نية لهم دفع الرسوم حتى لو اضطروا إلى إغلاق النشاط أو تحويله إلى نشاط آخر ، أو الاستثمار في دول أخرى ، وأن هناك مشاريع عملاقة في بعض الدول المجاورة تبحث عن الشركات السعودية العملاقة المتخصصة). وأنا في حياتي لم أسمع عن عناد قاد رجل أعمال إلى إيقاف نشاطه احتجاجا على قرار فرض رسوم يصب في مصلحته على المديين المتوسط والبعيد على حد سواء. أما التهديد بنقل النشاط إلى دول الجوار التي تبحث عن (الشركات السعودية العملاقة) فليست إلا تخيلات وأحلاما لا يمكن لها أن تتحقق ، فالعالم كله يعاني ركودا يكاد يخنقه ودول الجوار ودول العالم كلها في مرحلة عصيبة لا يعلم إلا الله كيف ومتى ستنتهي ، ناهيك عن مستوى جودة شركاتنا ومقاولينا التي نعاني جميعا سوء تنفيذهم المشاريع الموكلة لهم سواء كانت طرقات أو مدارس أو مبان أو غيره. أحد رجال الأعمال يصرح بأن تطبيق القرار (سيؤدي إلى إغلاق الكثير من الشركات الوطنية والأجنبية وهروب العمالة وزيادة أسعارها اليومية) ، وآخر يصرح بأن (قرار وزارة العمل لم يدرس ولم يقم على خطة استراتيجية واضحة أو دراسة ميدانية لوضع الشركات خصوصا قطاعي المقاولات والصيانة والتشغيل) ، وآخر يزعم بأن (القرار سينعش التستر 100 في المائة وسيخلق فوضى في سوق العمل وتحايلا وتبعيات ، خصوصا أن وزارة العمل لن تستطيع القضاء والرقابة على التستر في ظل القرارات غير المدروسة التي تصدرها). ولهم جميعا أقول إن الشركات التي ستغلق شركات هزيلة وضعيفة ولا حاجة لنا بها وعلى رجال الأعمال الذين يملكون مثل هذه الشركات التفكير بجدية في الاندماج ، أما هروب العمالة (الذي يعد تأخير الرواتب أهم أسبابها) فلا أرى أن لها علاقة بهذا القرار. أما الترويج بأن هذا القرار لم يعتمد على دراسات وخطط استراتيجية فلا يستحق الرد والتعليق عليه. كما أود أن أضيف أن الادعاء بأن هذا القرار سينعش التستر وسيخلق فوضى وتحايلا وأن الوزارة لن تتمكن من السيطرة عليها، فأقول إن الوزارة سوف تتصدى لكل أنواع التحايل غير المسؤول ، كما سيتم التصدي لكل المخالفات بحزم وقوة. أما سوق التستر فسيتم تحطيمها وإنهاؤها بتضافر كافة الجهات المسؤولة وعلى رأسها وزارة الداخلية السعودية. إن قرار وزارة العمل فرض الرسوم على العمالة الأجنبية بداية موفقة (رغم أنها تأخرت كثيرا)، ونحن نتوقع مزيدا من هذه القرارات الإيجابية التي تصب في مصلحة بلادنا وشبابنا وبناتنا. وعلى رجال الأعمال التأقلم مع هذا الوضع الذي كان من المفترض أن يتحقق منذ زمن بعيد. لقد أثبتت الوقائع التاريخية أن رجال الأعمال في بلادنا لا يملكون القدرة على المبادرة لما يحقق الوصول إلى نسب سعودة مقبولة على الرغم من الامتيازات والتسهيلات الممنوحة لهم من قبل الحكومة. فمعظم الشركات التي حققت إنجازات ممتازة في السعودة مملوكة جزئيا أو كليا للحكومة (المصارف وشركة الاتصالات وسابك والخطوط السعودية وغيرها الكثير) ، وأتمنى أن يكون دور رجال الأعمال داعما ومؤيدا لكافة القرارات الصادرة عن وزارة العمل والتي تهدف إلى تشجيع -وإن لزم الأمر- فرض السعودة. وأرجو ألا يأتي الوقت الذي نقول فيه إن رجال الأعمال عندنا يشكلون حجر عثرة في وجه تحقيق المصالح الاقتصادية والوطنية العليا لبلادنا وشبابنا وبناتنا.